Page 150 - merit 46 oct 2022
P. 150

‫العـدد ‪46‬‬                                             ‫‪148‬‬

                                            ‫أكتوبر ‪٢٠٢2‬‬

‫المستشرق «مرجليوث”‪“ :‬للتوراة‬        ‫بأهداف أخري غير الهدف‬                                           ‫بيان ما اختلف من حركاتها‪ ،‬ولا‬
‫أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل‬                                                                      ‫ما استكن من طبقات الأرض‪ ،‬ولا‬
 ‫وللقرآن أن يحدثنا عنهما أي ًضا‪،‬‬    ‫الأسمى (الهداية)‪“ :‬إ َّنما َيفهم‬                               ‫مقادير الطول فيها والعرض‪ ،‬ولا‬
                                    ‫القرآن و َيتف َّقه فيه من كان‬                                   ‫ما تحتاج إليه النباتات في نموها‪،‬‬
  ‫ولكن ورود هذين الاسمين في‬          ‫في‬     ‫ُنتل ْاصوتبهعميانِهبيَّنو ُهواجل َّهلةتقعلابلهي‬
 ‫التوراة والقرآن لا يكفي لإثبات‬     ‫فيه‬                                                               ‫والحيوانات في أنواعها‪ ،‬أما ما‬
  ‫وجودهما التاريخي‪ ،‬فض ًل عن‬        ‫من موضو ِع تنزيلِه‪ ،‬وفائد ِة‬                                   ‫ورد من كلام الأنبياء من الإشارة‬
   ‫إثبات هذه القصة التي تحدثنا‬      ‫ترتيلِه‪ ،‬و ِح ْك َم ِة َت َد ُّب ِر ِه من عل ٍم‬
 ‫بهجرة إسماعيل بن إبراهيم إلى‬       ‫ونو ٍر‪ ،‬وهدي ورحم ٍة‪ ،‬وموعظ ٍة‪،‬‬                                  ‫إليها فإنما يقصد منه النظر إلى‬
                                    ‫وعبر ٍة وخشو ٍع وخشي ٍة‪ ،‬و ُس َن ٍن‬                              ‫ما فيه الدلالة على حكمة مبدعه‬
    ‫مكة» (في الشعر الجاهلي‪ :‬طه‬      ‫في العا َل ُم َّطردة؛ فتلك غاي ُة‬                               ‫أو توجيه الفكر إلى القول لإدراك‬
                      ‫حسين)‪.‬‬        ‫‪-‬عق ًل‬  ‫إونفذاطِرره ًةو‪:-‬تبتقشيوريه‪،‬ال َّولي ْلبَزت ُْمر َهاك‬  ‫أسراره وبدائعه» (الأعمال الكاملة‬
                                       ‫ما‬
‫في كتابه «الظاهرة القرآنية” يقلل‬                                                                        ‫للإمام محمد عبده‪ ،‬د‪.‬محمد‬
  ‫الأستاذ مالك بن نبي من تأثير‬      ‫نهي عنه‪ ،‬وف ْعل ما أمر به بقدر‬                                                        ‫عمارة)‪.‬‬
  ‫مقولة “طه حسين” على إعجاز‬         ‫الاستطاعة؛ فإ َّنه كما قال‪ُ ( :‬ه ًدي‬
   ‫القرآن‪ ،‬إذا نحن تناولنا إعجاز‬    ‫لِّ ْل ُمتَّ ِقي َن)‪ .‬ولقد كان من ُسوء‬                           ‫وامتدا ًدا لهذا المنهج وتطبي ًقا له‬
   ‫القرآن بمنظار مختلف عن ما‬        ‫ح ِّظ المسلمين‪ ،‬أ َّن أكثر ما ُكتب‬                                 ‫على ما ورد في القرآن الكريم‬
   ‫فعله أسلافنا‪“ :‬لقد قام إعجاز‬     ‫في التَّفسير ي ْش َغ ُل قارئه عن هذه‬                                  ‫من قصص الأولين وذكر‬
   ‫القرآن حتى الآن على البرهان‬                                                                         ‫لتاريخ الأمم التي سبقت أمة‬
 ‫الظاهر على سمو كلام الله فوق‬       ‫المقاصد العالية‪ ،‬والهداية ال َّسامية‪:‬‬                             ‫الإسلام فالقرآن –عنده‪ -‬ليس‬
  ‫البشر‪ ،‬وكان لجوء التفسير إلى‬            ‫ف ِم ْنها ما ي ْش َغلُه عن القرآن‬
   ‫الدراسة الأسلوبية لكي يضع‬          ‫بمباحث الإ ْعراب وقواعد النَّ ْحو‪،‬‬                             ‫كتاب تاريخ‪ ،‬رغم هذا القصص‬
    ‫لإعجاز القرآن أسا ًسا عقليًّا‪،‬‬  ‫و ُن َك ِت المعاني و ُمصطلحات البيان‪.‬‬                            ‫التاريخي الذي جاء فيه‪ ،‬وليس‬
      ‫فلو أننا طبقنا نتائج فرض‬                                                                       ‫لمفسر ولا قارئ أن يلتمس فيه‬
     ‫«مرجليوث» لانهار ذلك من‬             ‫ومنها ما ي ْصرفه عنه بجدل‬
                                    ‫المتكلِّمين وت ْخريجات الأصوليين‪،‬‬                                  ‫حقائق التاريخ ووقائعه‪ ،‬لأن‬
‫الأساس‪ ،‬ومن هنا توضع مشكلة‬            ‫وا ْستنباطات ال ُفقهاء المقلِّدين‪،‬‬                              ‫ما فيه من قصصص إنما جاء‬
‫التفسير على أساس هام بالنسبة‬        ‫وتأويلات المتص ِّوفين‪ ،‬وتع ُّصب‬
                                    ‫الفرق والمذاهب” (مقدمة تفسير‬                                        ‫لبيان العظمة وتبيان مواطن‬
  ‫إلى عقيدة المسلم‪ ،‬أعني‪ :‬برهان‬                                                                         ‫الاعتبار فـ‪« :‬ليس في القرآن‬
‫إعجاز القرآن في نظره” (الظاهرة‬              ‫المنار‪ ،‬الجزء الأول)‪.‬‬                                    ‫شيء من التاريخ‪ ،‬من حيث هو‬
                                                                                                       ‫قصص وأخبار الأمم والبلاد‬
        ‫القرآنية‪ :‬مالك بن نبى)‪.‬‬     ‫إعجاز القرآن والشعر‬                                             ‫لمعرفة أحوالها‪ ،‬وإنما هي الآيات‬
    ‫وانتقاد مالك بن نبي لحصر‬              ‫الجاهلي‬                                                     ‫والعبر تجلت في سياق الوقائع‬
      ‫الإعجاز القرآني في البلاغة‬                                                                    ‫بين الرسل وأقوامهم لبيان سنن‬
  ‫البيانية واعتمادها على الموازنة‬    ‫أثارت القضية التي أثارها د‪.‬طه‬                                   ‫الله فيهم‪ ،‬ولذلك لم تذكر قصة‬
 ‫بينها وبين الشعر الجاهلي مبني‬      ‫حسين ‪-‬رحمه الله‪ -‬في كتابه «في‬                                   ‫بترتيبها وتفاصيلها‪ ،‬وإنما يذكر‬
  ‫–كذلك‪ -‬على أساس أننا لم نعد‬                                                                      ‫موضع العبرة فيها‪ ،‬فليس القرآن‬
    ‫نملك في أذواقنا عبقرية اللغة‬       ‫الشعر الجاهلي” ضجة كبيرة‪،‬‬                                    ‫تاري ًخا ولا قص ًصا‪ ،‬وإنما هداية‬
  ‫العربية بحيث يمكننا أن نوازن‬        ‫حيث تناول فيها قضية «حقيقة‬                                   ‫وموعظة” (الأعمال الكاملة للإمام‬
  ‫بين نصوص القرآن ونصوص‬              ‫الشعر الجاهلي» باعتباره منتح ًل‬                                   ‫محمد عبده‪ ،‬د‪.‬محمد عمارة)‪.‬‬
 ‫الشعر الجاهلي لنستنبط موازنة‬                                                                          ‫وفي مقدمة تفسير المنار الذي‬
    ‫أدبية تقودنا إلى نتيجة عادلة‬        ‫بعد ظهور الإسلام ومنسو ًبا‬                                    ‫جمعه السيد رشيد رضا تلميذ‬
 ‫حكيمة‪ .‬وقد انتقد محمود محمد‬         ‫إلى عصر ما قبل الإسلام‪ ،‬وهي‬                                         ‫الأستاذ الإمام نقد لأسلوب‬
                                                                                                    ‫المفسرين الذين يشغلون القارئ‬
                                         ‫القضية التي أثارها من قبل‬
   145   146   147   148   149   150   151   152   153   154   155