Page 152 - merit 46 oct 2022
P. 152

‫العـدد ‪46‬‬                           ‫‪150‬‬

                                   ‫أكتوبر ‪٢٠٢2‬‬

   ‫إعجاز القرآن صفة ملازمة له‬      ‫الكريم؛ كان أكثر اعتدا ًل في حكمه‬       ‫شيء يستحق أن يكون شاه ًدا‬
    ‫عبر العصور والأجيال‪ ،‬وهي‬            ‫وأقرب إلى جو القرآن‪ ،‬حين‬        ‫ودلي ًل على هذا؟ نعم‪ ،‬بقي (الشعر‬
      ‫صفة يدركها العربي بذوقه‬
  ‫الفطري ‪-‬في الجاهلية‪ -‬كالوليد‬     ‫عرض خصائص التركيب القرآني‬                                  ‫الجاهلي)!‬
    ‫بن المغيرة‪ ،‬ويدركها بالتذوق‬    ‫ولغته التي تفارق طراوة لغة أهل‬            ‫وهنا يتبين ما أراد «شاكر”‬
                                   ‫الحضر وخشونة لغة أهل البادية‪،‬‬             ‫أن يوضحه من تأثير مقولة‬
      ‫العلمي كما فعل الجاحظ في‬                                             ‫«مرجليوث” في الشعر الجاهلي‬
‫منهجه الذي رسمه لمن جاء بعده‪،‬‬          ‫وتجمع في تناسق عجيب بين‬             ‫ومن بعده «طه حسين»‪ ،‬حيث‬
‫وعلي الرغم من أن المسلم المعاصر‬      ‫رقة الأولي وجزالة الثانية‪ ،‬قال‪:‬‬     ‫إن الشعر الجاهلي مرتبط بقضية‬
‫ليست لديه فطرة العربي الجاهلي‪،‬‬                                             ‫«إعجاز القرآن» وليس بقضية‬
                                       ‫«وكل هذا في موضوعات غير‬             ‫«تفسير القرآن” كما أراد مالك‬
  ‫ولا ملكات عالم اللغة في العصر‬    ‫مطروقة في الأدب الجاهلي‪ ،‬وناد ًرا‬         ‫بن نبي أن يصوره‪ ،‬ذلك أنه‬
    ‫العباسي‪ ،‬فإن القرآن لم يفقد‬     ‫ما تعرض لها الشعراء والخطباء‬            ‫وعلي الرغم من قلة ما وصلنا‬
                                                                           ‫من «الأدب الجاهلي»‪ ،‬فقد بقي‬
 ‫بذلك جانب «الإعجاز» لأنه ليس‬           ‫إلا من بعيد وبصورة مبهمة‬          ‫مادة للغة العرب ومنب ًعا لتاريخ‬
   ‫من توابعه بل من جوهره‪ ،‬لذا‪،‬‬     ‫وموجزة‪ ،‬بحيث يحق لنا أن نؤكد‬           ‫العرب في الجاهلية‪ ،‬إلا أن أعظم‬
‫وجب أن نتناوله في صورة أخرى‬        ‫بدون تردد أنه من الناحية اللغوية‬       ‫ما بقي له هذا الشعر‪ :‬أن يكون‬
                                                                           ‫مادة لدراسة البيان المفطور في‬
               ‫وبوسائل أخرى‪.‬‬          ‫البحتة‪ ،‬كان ظهور القرآن خل ًقا‬     ‫طبائع البشر‪ ،‬لنقارنه بهذا البيان‬
‫ومالك بن نبي هنا يقصد أن تأثير‬         ‫للغة جديدة ولأسلوب جديد»‪.‬‬            ‫القرآني الذي فاق طاقة بلغاء‬
                                                                           ‫الجاهلية‪ ،‬وكانت له خصائص‬
   ‫القرآن على النفوس ‪-‬والذي لا‬        ‫الظاهرة القرآنية‬                   ‫ظاهرة تجعل كل متذوق للبلاغة‬
  ‫يزال قائ ًما على الرغم من فقدان‬                                       ‫والبيان لا يملك إلا الإقرار له بانه‬
                                         ‫في كتابه «الظاهرة القرآنية»‬       ‫من غير جنس ما يعهده سمعه‬
    ‫ملكة اللغة والبيان‪ -‬ينبغي أن‬    ‫يحاول المفكر الجزائري مالك بن‬            ‫وذوقه‪ ،‬وأن مبلِّغه إلى الناس‬
    ‫ُيد َرس من جوانب أخرى غير‬        ‫نبي (‪ )1973 -1905‬أن ُيد ِخل‬          ‫نبي مرسل‪ ،‬وأنه لا يستطيع أن‬
 ‫لغوية‪ ،‬وهذا الجانب ‪-‬من وجهة‬         ‫إصلا ًحا أو طر ًحا جدي ًدا للمنهج‬    ‫يفتريه من عنده لانه بشر « َو َل ْو‬
                                     ‫القديم في تفسير القرآن الكريم‪،‬‬      ‫ََت َلَق ََّوخ َْذل َنا َع َل ِمْي ْنَناُه َبِباْعْل َي َ ِمضي اِنْ َل َق*ا ِوُثي َّم ِل َل َق َ*ط ْع َنا‬
      ‫نظره‪ -‬هو‪ :‬تطبيق التحليل‬                                            ‫ِم ْن ُه ا ْل َو ِتي َن * َف َما ِمن ُكم ِّم ْن َأ َح ٍد‬
  ‫النفسي لدراسة القرآن بوصفه‬           ‫ذلك المنهج القائم على الموازنة‬
                                     ‫الأسلوبية‪ ،‬والمبني على الإعجاز‬             ‫َع ْن ُه َحا ِج ِزي َن” (الحاقة)‪.‬‬
     ‫ظاهرة‪ ،‬فهو يتناول الآية من‬                                         ‫ويبدو أن انشغال الأستاذ محمود‬
 ‫جهة تركيبها النفسي الموضوعي‬             ‫اللغوي‪ ،‬وهو يري أنه حتى‬        ‫شاكر بالخصومة مع الدكتور طه‬
                                        ‫تفسير المنار المنسوب للشيخ‬      ‫حسين جعله يبالغ في دور الشعر‬
      ‫أكثر مما يتناولها من ناحية‬   ‫محمد عبده يفتقد إلى منهج جديد‪،‬‬        ‫الجاهلي في تبيان حقيقة الإعجاز‬
‫العبارة‪ .‬يقول‪« :‬إن الجانب الأدبي‬     ‫وكل ما فعله أنه خلع على المنهج‬
                                      ‫القديم صبغة عقل جديد‪ .‬يرى‬              ‫القرآني ‪-‬حتى على مستوي‬
  ‫للرسالة‪ ،‬ذلك الذي كان في نظر‬      ‫ابن نبي أن منهج التفسير القائم‬        ‫اللغة‪ ،-‬وقد وجد ُت أن الأستاذ‬
    ‫المفسرين التقليديين موضوع‬      ‫على القول بالإعجاز الأدبي أصبح‬
                                      ‫من اختصاص طائفة قليلة من‬               ‫المرحوم محمد عبد الله دراز‬
‫الدراسة الأول‪ ،‬يفقد بعض أهميته‬     ‫المسلمين‪ ،‬تلك التي تستطيع تذوق‬         ‫(‪ )1959 -1894‬في بحثه المقدم‬
‫شيئًا فشيئًا في عصرنا الذي يهتم‬      ‫الإعجاز البياني ‪-‬اكتسا ًبا‪ -‬كما‬      ‫مع رسالة الدكتوراة عن القرآن‬
 ‫بالعلم أكثر من اهتمامه بالأدب”‬         ‫كانت العرب تتذوقه –فطرة‪-‬‬
                                      ‫وبهذا يفقد الإعجاز تأثيره على‬
       ‫(الظاهرة القرآنية‪ :‬فصل «‬       ‫عموم المسلمين المخاطبين بهذا‬
        ‫الصورة الأدبية للقرآن)‪.‬‬        ‫الكتاب‪ .‬وعليه‪ ،‬يجب أن يكون‬

   ‫فيمكننا القول إن مالك بن نبي‬
‫أخذ في الدرس القرآني من جانب‬

      ‫الأفكار القرآنية من زاويتها‬
   ‫النفسية والتاريخية‪ ،‬ومن جهة‬

     ‫أهميتها الاجتماعية‪ ،‬وهو في‬
   147   148   149   150   151   152   153   154   155   156   157