Page 156 - merit 46 oct 2022
P. 156

‫العـدد ‪46‬‬                             ‫‪154‬‬

                                    ‫أكتوبر ‪٢٠٢2‬‬

   ‫يكون ذلك راج ًعا إلى ما له من‬          ‫والعبارات في هذه الحالة لا‬       ‫القرآن‪ ،‬لكنها تجعله غر ًضا فرعيًّا‬
‫جاذبية خاصة بتوافقه الكامل مع‬             ‫تكون مجرد جمل وعبارات‬            ‫بينما البيان أو القيمة الأدبية هي‪:‬‬
‫أسلوب الناس الفطري في التفكير‬
 ‫والشعور‪ ،‬وباستجابته لما تتطلع‬              ‫بل تصبح آيات كالشمس‬                            ‫الهدف الأسمي!‬
                                         ‫والقمر وسائر الآيات الإلهية‬          ‫تظل اللغة مهما بلغت الأوج في‬
  ‫إليه نفوسهم في شؤون العقيدة‬         ‫الأخرى‪ ،‬وتطوي هذه الآيات في‬
     ‫والسلوك‪ ،‬وبوضعه الحلول‬            ‫جوانحها ما تطويه من الهداية‬              ‫قمتها هي الوعاء الذي يحمل‬
                                      ‫والنور والمعاني والإجابات التي‬           ‫المعني‪ ،‬فإن الله تعالي لم ُينزل‬
 ‫الناجحة للمشكلات الكبري التي‬          ‫تتك َّشف عبر العصور بتك ُّشف‬            ‫الكتاب ويرسل الرسول ليعلم‬
   ‫ُتقلِق بالهم‪ ،‬وبمعني آخر لا بد‬      ‫وظهور حاجات الأمم‪ ،‬وأسئلة‬            ‫الناس اللغة ويوقفهم على أسرار‬
                                     ‫ومسائل الحياة وأزماتها»‪ .‬فكأن‬         ‫البيان‪ .‬وغاية ما يفعله هذا الاتجاه‬
‫أنه ينطوي على ما يشبع حاجتهم‬          ‫المعاني تتنزل مع بروز الأزمات‬          ‫من التعامل مع القرآن أن ُيخ ِرج‬
    ‫إلى الحق والخير والجمال بما‬       ‫والمشاكل‪ ،‬وتبقي اللغة والألفاظ‬           ‫لنا دراسات رصينة حول لغة‬
   ‫يجمع من صفات العمل الديني‬            ‫وعاء قيمته الحقيقية تكمن في‬            ‫القرآن وبيانه ودقة تصويره‬
   ‫والأخلاقي والأدبي م ًعا في آ ٍن‬   ‫قدرته على استيعاب هذه المعاني‬           ‫وموسيقى ألفاظه كما فعل سيد‬
                        ‫واحد»‪.‬‬      ‫المتولدة دائما والتجددة أب ًدا‪ ،‬يقول‬   ‫قطب باقتدار في كتابيه «التصوير‬
   ‫لس ُت أشك أن المنهج الأدبي في‬     ‫العلواني‪“ :‬فإن أي عصر تا ٍل أو‬          ‫الفني في القرآن» و»مشاهد يوم‬
     ‫تفسير القرآن محاولة جادة‬          ‫أية بيئة أخرى يمكن أن تجعل‬               ‫القيامة في القرآن” وهذا أمر‬
  ‫لتحليل الخطاب القرآني تحلي ًل‬     ‫من أسئلتها «أو حاجات عصرها»‬            ‫عظيم‪ ،‬لكنه ليس المدخل الرئيسي‬
        ‫بيانيًّا قبل كل شيء‪ ،‬لكن‬       ‫أسباب نزول للمعاني الجديدة‬
     ‫إشكاليته أنه قد يف ِّرغ النص‬                                                    ‫لفهم القرآن وتفسيره‪.‬‬
                                          ‫التي تنطوي الآيات عليها»‪.‬‬             ‫إن إشكالية هذا الاتجاه ‪-‬من‬
‫القرآني من كونه «رسالة” بالمقام‬      ‫إني أقرأ القرآن مرة تلو الأخري‬           ‫وجهة نظري‪ -‬هو‪ :‬أنها حولت‬
     ‫الأول‪ ،‬رسالة ُصبَّت في قالب‬                                               ‫«المدخل الأدبي” لفهم القرآن‬
     ‫بياني مع ِجز‪ ،‬وحينئذ يصبح‬         ‫فأجده يغيِّر من تصوراتي عن‬             ‫من كونه أحد أهم المداخل لفهم‬
                                       ‫الكون والحياة ‪-‬أنا الناشئ في‬        ‫القرآن وتفسيره إلى كونه «المدخل‬
‫المنهج الأدبي «أداة” لفهم وتحليل‬    ‫حضن الاسلام أ ًبا وج ًّدا‪ ،-‬فأدرك‬         ‫الوحيد” للفهم والتأويل‪ ،‬ولعل‬
 ‫الخطاب وليس غاية في حد ذاته‪.‬‬                                                  ‫هذا هو ما حدا بالأستاذ مالك‬
                                         ‫أن من أهدافه بناء تصورات‬           ‫بن نبي لمحاولة الخروج من أسر‬
   ‫أذكر أنني سمعت من د‪.‬يحيى‬           ‫عن الكون والحياة‪ ،‬عن الإنسان‬         ‫«الإعجاز اللغوي” للقرآن إلى آفاق‬
      ‫الرخاوي ‪-‬الطبيب النفسي‬
                                         ‫ومصيره ومآله‪ ،‬يعيد ترتيب‬                      ‫أكثر رحابة للإعجاز‪.‬‬
  ‫والناقد الادبي‪ -‬حوا ًرا دار بينه‬     ‫منظومة القيم في عصر تختلط‬              ‫إن المنهج الأدبي للتفسير الذي‬
‫وبين الأستاذ نجيب محفوظ حول‬             ‫فيها القيم و ُيعاد ترتيبها وف ًقا‬   ‫أرسي معالمه الشيخ أمين الخولي‬
‫روايته «الشحاذ»‪ ،‬سأله الرخاوي‬                                                ‫يجعل من لغة العرب ‪-‬تلك التي‬
                                                   ‫لأوضاع السوق‪.‬‬            ‫لم يصلنا منها إلا القليل‪ -‬حاك ًما‬
     ‫عن الحل الصوفي‪ :‬هل يكون‬              ‫في كتابه «مدخل إلى القرآن‬            ‫على فهمنا للغة القرآن‪ .‬ويري‬
 ‫مخر ًجا لأزمة الإنسان المعاصر؟‬         ‫الكريم” يشير الدكتور محمد‬              ‫الدكتور طه جابر العلواني أن‬
  ‫قال له محفوظ‪ :‬إن ما لا يصلح‬              ‫عبدالله دراز ‪-‬ابن الأزهر‬         ‫هناك فار ًقا كبي ًرا بين اللغة حين‬
‫أن يكون ح ًّل للجميع لا يصلح أن‬     ‫والسربون وهي جزء من رسالته‬                ‫يستعملها الإنسان للتعبير عن‬
                                         ‫للدكتوراة‪ -‬إلى مظاهر ثلاثة‬         ‫مكنوناته‪ ،‬واللغة حين يستعملها‬
                     ‫يكون ح ًّل‪.‬‬    ‫للقرآن‪ :‬الديني والخلقي والأدبي‪:‬‬            ‫خالق الإنسان ليض ِّمنها نوره‬
  ‫إن مقولة «المنهج الأدبي” تجعل‬        ‫“فإذا كان القرآن بعي ًدا عن أي‬
   ‫فهم القرآن ِحك ًرا على من يملك‬   ‫عامل خارجي قد أثر بصفة دائمة‬                 ‫وهداياته لخلقه‪“ :‬إن الجمل‬
  ‫ناصية البيان وأسبابه‪ ،‬والقرآن‬       ‫على عقول ِج ّد مختلفة فلا بد أن‬

      ‫كتاب الله للناس‪ ،‬كل الناس‬
   151   152   153   154   155   156   157   158   159   160   161