Page 159 - merit 46 oct 2022
P. 159

‫‪157‬‬  ‫تجديد الخطاب‬

 ‫بعض الآيات‪ ،‬والكثير من الآليات‬        ‫وأوضاع وظروف مختلفة أدت‬                ‫الوضع‪ ،‬وتستخدم آلية أخرى‬
  ‫الأخرى التي تحدث فيها العلماء‬       ‫بها إلى الوضع الذي كانت عليه‪،‬‬          ‫لتفسر النص دفا ًعا عن الإسلام‬
  ‫ليرفعوا هذا التناقض بين الآيات‬
 ‫أو ليفهموا بعض الآيات‪ ،‬وبالرغم‬          ‫وقد يكون هذا الوضع هو ما‬             ‫من الذين يقولون عنه إنه ظلم‬
                                       ‫يناسبهم في الماضي وما يحقق‬                                   ‫المرأة‪.‬‬
     ‫من أنهم قد بحثوا في أسباب‬
    ‫النزول لتلك الآيات إلا أنهم لم‬       ‫لهم الاستقرار‪ ،‬فلا يمكن أن‬          ‫البعض لا يستخدم هذا الخطاب‬
‫يربطوها بالواقع الاجتماعي آنذاك‬      ‫نحكم على وضع الماضي بمنظور‬                   ‫التبريري الذي يتغير طب ًقا‬
‫في عصر التنزيل‪ ،‬بل جعلوها عامة‬       ‫عصرنا الحالي‪ ،‬لأننا لم ُن ِحط بكل‬
‫وتنطبق على كل الحالات والأزمنة‪،‬‬                                             ‫للمعطيات أو دفا ًعا عن الإسلام‪،‬‬
   ‫وكأن زمن النص كان كالمسرح‬            ‫الظروف التي أدت لتشكل هذا‬             ‫ولكنه يرجع هذا الاختلاف إلى‬
‫الذي يمثل عليه الأشخاص أحداث‬         ‫الوضع‪ ،‬وهذا لا يعني أن الأمور‬
                                     ‫كانت مثالية‪ ،‬وأن هذا هو الوضع‬         ‫ظروف المجتمع وقت نزول النص‪،‬‬
      ‫معينة فقط لتتنزل الآيات‪ ،‬لا‬     ‫الصحيح‪ ،‬ولكن الإنسان في بناء‬            ‫فاستدعى النص أن يتعامل مع‬
 ‫لتعالج تلك الحالات‪ ،‬لا‪ ،‬بل لتكون‬
 ‫سبب لنزول هذه الآيات الخاصة‬            ‫حضارته عبر الزمن يسير في‬           ‫الوضع القائم المُت َقبَّل فع ًل في زمن‬
  ‫بالأحكام ولتوجد في النص‪ ،‬وتم‬          ‫تقدم‪ ،‬فأمور كثيرة كالعبودية‬            ‫التنزيل‪ ،‬الذي يسبب المصلحة‬
                                                                               ‫لمعاصريه في هذا الوقت‪ ،‬وأن‬
     ‫بذلك انتزاع النص من سياقه‬            ‫وتراتبية المرأة تذوب خلال‬
 ‫وعدم اعتبار أن تلك الآيات نزلت‬      ‫الزمن بسبب الحراك الاجتماعي‪،‬‬          ‫وضع المرأة ليس إلهي مطلق ثابت‬
                                     ‫وأوضاع كثيرة مؤثرة فيه تحدث‬               ‫بالخلقة أنها أدنى من الرجل‪،‬‬
   ‫لتحقيق المصلحة لبعض الأمور‬       ‫عبر الزمن كالأوضاع الاقتصادية‪،‬‬
  ‫التي واجهها المجتمع آنذاك‪ ،‬وأنه‬                                            ‫بل هو نتاج ترسبات عبر الزمن‬
                                         ‫فالبشرية تتطور وتتقدم عبر‬
     ‫كانت بعض الأمور المسكوت‬         ‫الزمن بسبب تفاعلاتها البشرية‪،‬‬
      ‫عنها أو لم تكن مطروحة في‬         ‫وكل دين تقريبًا يتعامل مع كل‬
   ‫هذه المرحلة‪ ،‬ولم يكن لها إجابة‬
  ‫صريحة في النص‪ ،‬ولكن استمر‬            ‫مرحلة حسب وعي وتصورات‬
‫البحث لإيجاد إجابات لتلك الأمور‬     ‫ووضع ومستوى وصول الجماعة‬
  ‫إما باستنطاق النص ومحاولات‬
  ‫التأويلات المختلفة‪ ،‬إما بالرجوع‬           ‫القائمة التي يتعامل معها‪.‬‬
     ‫إلى السنة ليأخذوا منها ما لم‬    ‫السبب الثاني هو ما جعلني أفكر‬
  ‫يوجد في النص‪ ،‬وكثرت الآليات‬        ‫في الدور الذي يلعبه الاجتماع في‬
‫التي تعالج بها الأمور لتكون هناك‬
‫قواعد لحل كل الأمور التي تستجد‬                       ‫النص القرآني‪.‬‬
 ‫نتيجة التطور الاجتماعي‪ ،‬وتكون‬       ‫وهناك الكثير من الأمور الأخرى‬
‫تلك القواعد مستمدة من التأويلات‬
    ‫للنص أو الأحاديث أو الآليات‬          ‫التي يجتهد الشيوخ والدعاة‬
  ‫الموضوعة كالقياس أو الإجماع‪.‬‬             ‫وال ُكتَّاب في وضع تبريرات‬
   ‫ولكن وسط كل ذلك لم يجعلوا‬             ‫لها لنتقبلها‪ ،‬كما فعل الفقهاء‬
  ‫للاجتماع دور في تشكيل النص‪،‬‬          ‫قبلهم من أنهم اعتبروا أن هذه‬
‫أو أن بعض الآيات تعالج مشكلات‬           ‫التشريعات مطلقة‪ ،‬وأن النص‬
‫آنية في المجتمع العربي‪ ،‬بل تحولت‬        ‫إلهي مطلق غير مقيد بالزمان‬
‫كل التشريعات الموجودة في الكتاب‬        ‫ولا بالمكان‪ ،‬بل البعض يرى أن‬
                                         ‫القرآن كان في اللوح المحفوظ‬
                                        ‫كلية‪ ،‬ثم نزل من َّج ًما على النبي‬
                                     ‫محمد‪ ،‬وتحدثوا كثيرا في الناسخ‬
                                       ‫والمنسوخ لما وجدوه من شبهة‬
                                        ‫تناقض قد يكون موجود بين‬
   154   155   156   157   158   159   160   161   162   163   164