Page 290 - merit 46 oct 2022
P. 290

‫الأرسطي‪ .‬ربما جاءت هذه الدعوة‬          ‫ما بين أرسطو وبريخت تاريخ‬
   ‫على خلفية الأوضاع السياسية‬           ‫مسرحي طويل شهد ظهور‬
    ‫السائدة في ألمانيا‪ ،‬والتي أثرت‬   ‫مدارس واختفاء أخرى‪ ،‬ولكن أغلب‬
   ‫نفسيًّا على أفراد المجتمع‪ ،‬الذين‬  ‫الحركات المسرحية كانت تناسب‬
       ‫أصبح المسرح الإغريقي لا‬        ‫زمكانها‪ ،‬فجميعها ولد من رحم‬
    ‫يناسبهم؛ الذي يدعو لترسيخ‬         ‫الظروف المحيطة بها؛ كمسرح‬
  ‫القمع والقهر؛ بل وقبوله؛ وكلها‬     ‫العبث الذي ظهر كرد فعل للحرب‬
                                     ‫العالمية وحمل معه سؤاًل مه ًّما‬
 ‫أمور تصب في مصلحة فئة دون‬            ‫(إذا كان هناك الله فلماذا يموت‬
    ‫غيرها‪ ،‬كل هذه الأمور دفعت‬
      ‫«بريخت» للتفكير في مسرح‬                    ‫كل هؤلاء؟)‪..‬‬
   ‫يتمكن فيه الجمهور من التأمل‬
                                          ‫تيارت فكرية وأدبية جديدة‪،‬‬         ‫القدرة ليميز الحقيقة‪ ،‬والمهارة‬
  ‫وإعمال العقل تمهي ًدا للثورة على‬    ‫حاول الكثير من الأدباء والفنانين‬       ‫ليتعامل مع الحقيقة بوصفها‬
   ‫كافة الأوضاع السيئة آن ذاك‪،‬‬                                           ‫سلا ًحا‪ ،‬والحكمة لاختيار المؤهلين‬
  ‫فقام بكسر الحاجز الرابع الذي‬         ‫بناء حياة مثالية‪ ،‬ولكنه كان من‬       ‫لاستعمال واستخدام الحقيقة‪،‬‬
   ‫يفصل بين العرض والجمهور؛‬           ‫الصعب تحقيقها في الواقع‪ .‬ولكن‬       ‫وأخي ًرا الحيلة لنشر الحكمة بين‬
                                                                              ‫الناس‪ .‬ويخبرنا خالد صفي‬
       ‫جاء ذلك بتغيير العديد من‬          ‫بريخت نجح في إرثاء النظرية‬          ‫بمقالته المنشورة بمجلة رؤى‬
     ‫التقنيات كانت جميعها مغلفة‬      ‫الملحمية؛ كنظرية وحيدة استطاعت‬         ‫والمعنونة بـ(برتولدت بريشت‬
    ‫بالتغريب‪ .‬والتغريب في أبسط‬                                           ‫الإنسان هو الإنسان) بان العلاقة‬
                                              ‫أن تقف في وجه النظرية‬      ‫بين الأدب والمجتمع شغلت أبحا ًثا‬
       ‫تعريفاته هو جعل المألوف‬         ‫الأرسطية‪ ،‬ورغم ذلك يقول أحد‬           ‫كثيرة في مجال النقد الأدبي؛‬
   ‫غريبًا‪ ،‬وبالتالي أصبح التغريب‬                                               ‫فهناك من يرى في الظروف‬
                                           ‫النقاد المسرحيين‪ :‬أن تقارن‬       ‫السائدة في المجتمع عام ًل مه ًّما‬
      ‫هو القاسم المشترك بين كل‬       ‫بريخت بأرسطو‪ ،‬يا للبلاهة‪ ،‬إنهما‬        ‫يؤثر على الأدباء الذين يحيون‬
  ‫العناصر المسرحية وفي مقدمتها‬                                              ‫فيه ويكتبون بإيحائه‪ ،‬وهو ما‬
   ‫التمثيل؛ فالممثل البريختي يقف‬        ‫لم يعيشا في زمن واحد‪ ،‬أضف‬          ‫حدث مع بريخت؛ الذي تداخلت‬
 ‫على مسافة من الدور الذي يلعبه‪،‬‬        ‫إلى ذلك أن بريخت قد حمل فكر‬          ‫حياته مع الأحداث التي طرأت‬
                                      ‫أرسطو أكثر من أرسطو‪ ،‬ويختتم‬        ‫على المجتمع الأوروبي بشكل عام‪،‬‬
    ‫وهو بذلك يبتعد كل البعد عن‬          ‫حديثه قائ ًل‪ :‬لكي نفهم بريخت‬     ‫والألماني بشكل خاص‪ .‬فالتغيرات‬
  ‫ستانيسلافسكي الذي يدعو إلى‬           ‫فه ًما جي ًّدا من الأفضل أن نقول‬  ‫السياسية التي طرأت على المجتمع‬
   ‫تقمص الشخصيات‪ .‬كما يبعتد‬                                                  ‫الألماني شكلت أرضية لظهور‬
  ‫عن المسرح الأرسطي الإيهامي‪.‬‬                        ‫إنه ألماني شامل‪.‬‬
‫فعن طريق استخدم السينما ‪-‬كما‬               ‫بالفعل كان «بريخت» ألماني‬
 ‫فعل أستاذه بسكاتور‪ -‬والفوندو‬
 ‫والراوي والجوقة وبألقاء النكات‬              ‫شامل؛ فهو شاعر وكاتب‬
 ‫والأغاني وبإلقاء جمل للجمهور؛‬         ‫مسرحي ومخرج؛ كما أنه يعتبر‬

     ‫كسر بريخت الحاجز الرابع؛‬            ‫المسرحي الوحيد الذي دعا إلى‬
      ‫أي كسر الإيهام الأرسطي‪.‬‬             ‫مسرح مغاير تما ًما للمسرح‬
   ‫فالبطل التراجيدي الذي يقع في‬
  ‫خطأ يسبب له الكوارث؛ فيتطهر‬
 ‫الجمهور بالشفقة على مصير هذا‬
   ‫البطل‪ ،‬والخوف من الوقوع في‬
‫نفس مصيره؛ أصبح هذا الجمهور‬
   285   286   287   288   289   290   291   292   293   294   295