Page 116 - merit 41- may 2022
P. 116
العـدد 41 114
مايو ٢٠٢2
وائل القادري
(سوريا)
قصتان
يوق ُف عربته عند شاب آخر ،يحم ُل في يده حقيبة، -1صاحب العربة
تبدو ملامح القلق على وجهه .عينا ُه تنظران ناحية
الشارع الضيق والذي يبدو أمام ُه كشريا ٍن ينتهي
البحر الممتد أمام ُه بتوترُ .يطمئنه الرجل صاحب بزاوي ٍة ضيقة كان ُمكت ًّظا بالبشر .وأحاديث ُمتداخلة
العربة ،يسر ُد له حكايا عن حوريات البحر ،وعن
تص ُل إلى مسامعه وكأنها نبضا ٌت قوية تنتف ُض
جن ٍة تنتظره على الضفة الأخرى .يرمي الشاب بانتظام تار ًة وبعشوائية تار ًة أُخرى.
أورا ًقا ثبوتية من حقيبته ،يشكره ،ي َّدعي أنه
صديقه ،ويمضي. يحم ُل مكنس َت ُه في يده ،ويجر أمام ُه صندو ًقا خشبيًّا
على عربته ،ماضيًا إلى عمله المُعتاد .يوق ُف العربة
يبدأُ عمل الرجل صاحب العربة ،يجم ُع الأوراق عند شاب تظه ُر على وجهه علاما ُت الغضب ،يثب ُت
المبعثرة على إسفلت الشارع قبل أن تأخذها الرياح. بين شفتيه المُرتجفتين سيجارة ،ينف ُث ُدخانها
مع الشتائم بعصبية ،يسب رب عمله الذي طرد ُه
شهادة ميلاد ،إخراج قيد ،غير محكوم ،صور وبخس ُه حقه ،يبصق ،يسب البلاد ،يكفر.
شخصية .يودعها جمي ًعا بصندوقه الخشبي،
ُيخرج الرجل صاحب العربة من جيبه أورا ًقا نقدية،
ويمضي. يدسها في جيب الشاب ُمر ِّبتًا على كتفه .يبتس ُم
يهر ُع الرجل صاحب العربة نحو شاب وصبية، الشاب ،ي َّدعي أ َّن ُه صديقه ،يشكره ويغادر.
ُمحاو ًل فض نزا ٍع احتدم .يتوس ُط المسافة بينهما، يبدأُ عمل الرجل ،يجم ُع أعقاب السجائر من على
ُيخر ُج من جيبه حبة شوكولا ويعطيها للصبية.
الأرض بمكنسته ،يمس ُح البصقة من على إسفلت
ويهم ُس في أذن الشاب :قبِّلها! الشارع بمنديل ،يفت ُح الصندوق الخشبي ويض ُع ما
يدنو الشاب من شفاه الصبية ،يهم ُس لها :أحبك!
جمع ُه بداخله ،ويمضي.
ثم ُيغم ُد في ثغرها المرسوم بأحمر شفاه ُقبل ًة يق ُف عند صبيَّ ٍة ذابلة ،تتكي ُء على حافة جس ٍر يمتد
عميقة .تبته ُج الصبية .تمس ُح أحمر شفاهها بمنديل،
فوق هاوية سحيقة .تجه ُش بالبكاء عندما تراه،
وترميه على الرصيف .يشكران الرجل صاحب ُتخر ُج من عمق صدرها صور ًة لشاب وسيم سقط
العربة ،ي َّدعيان أنه صديقهما ،ويمضيان. من على الجسر .تقو ُل إنها ُتري ُد اللحاق به .يقتر ُب
يبدأُ عمل الرجل ،يلتق ُط المنديل المخضب بال ُحمرة الرجل صاحب العربة منها ،يهم ُس في أذنها :أنت
والعطر من الرصيف ،يودع ُه بصندوقه الخشبي، جميلة!
ويمضي. تبتس ُم الصبية ،تتفت ُح كوردة .ت َّدعي أنها صديق ُة
يص ُل الرجل صاحب العربة إلى نهاية الشارع ،يرك ُن الرجل صاحب العربة ،وتمضي.
عربته في زاوي ٍة ُمظلمة وخاويةُ ،يشع ُل سيجار ًة في يبدأُ عمل الرجلُ ،يكن ُس دموع الصبية من على
فمه ،يبصق ،يبكي ،يشتم ،يصرخ ،لا أحد يسمعه. الأرض ،يجمعها براحته ،تتحو ُل الدموع إلى حفنة
ُيخر ُج من صندوقه الخشبي دفت ًرا وقل ًما ،و ُيقر ُر
ملح ،يودعها بصندوقه الخشبي ،ويمضي.
الكتابة!