Page 111 - merit 41- may 2022
P. 111

‫‪109‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

     ‫القصــة في سوريا‬

‫رسمت وش ًما يذكرني بأنني أنتمي لشركة هندسية‬                   ‫بذكاء أي ًضا‪ :‬أحب أن أسمع إجابتك الجميلة‪،‬‬
   ‫مشهورة‪ ،‬وذلك بعد حادثة حضوري المتأخر إلى‬             ‫ضحكت بدلال وقالت‪ :‬الصبارة تذكرني بضرورة‬
                                                         ‫شرب الكثير من الماء للحفاظ على نضارة بشرتي‪.‬‬
‫إحدى الشركات العامة‪ ،‬مما اضطرني لسماع بعض‬
    ‫الكلمات المزعجة من المدير قبل أن يسعفني أحد‬                 ‫أعجبتني الفكرة‪ ،‬وقبَّل ُت الوشم مرات‪ ،‬ثم‬
          ‫الموظفين بقوله‪ :‬هذا مهندس في شركة‪...‬‬          ‫احتضنتها‪ .‬ومن يومها قررت أن أستخدم جسدي‬
       ‫ليعتذر المدير‪ ،‬ويطلب لي فنجان قهوة فاخر‪.‬‬
   ‫يوجد أي ًضا وش ٌم يخص البنك الذي أتعامل معه‪،‬‬                  ‫في حفظ الأشياء بد ًل من ذاكرتي الهرمة‪.‬‬
                                                        ‫ذهب ُت إلى أحد الفنانين المختصين بالوشوم‪ ،‬وقلت‬
‫ووش ٌم لموقع بيتي‪ ،‬ووشم لمكان مقبرة عائلتي حيث‬
 ‫اشتريت قب ًرا‪ ،‬ورسمت وش ًما يدلني عليه‪ ،‬وعندما‬             ‫له‪ :‬أري ُد وش ًما يد ُّل على أنني ارتكبت حماقة ما‬
 ‫أصبت بالسكري رسمت حقنة “الأنسولين” وش ًما‬              ‫لأعترف لأنثى بحبي‪ ،‬ووش ًما آخر يذكرني بتاريخ‬
      ‫على باطن ك ِّفي‪ ،‬وذلك خو ًفا من تكرار حالات‬
    ‫الارتفاع المرعب للسكري‪ ،‬خصو ًصا مع عشقي‬               ‫حبي لها‪ ،‬ووش ًما مرئيًّا بالنسبة لي يرشدني إلى‬
                      ‫الحاد للحلوى بكل أنواعها‪.‬‬                           ‫طريقة اكتشافي لذاكرة الوشم‪.‬‬
        ‫بعض الوشوم لا ترتبط بأي حادثة كزهرة‬
                                                           ‫حسنًا تفاصيل كثيرة سقطت من ذاكرة الوشم‬
‫الأقحوان على خدي‪ ،‬والتي رأيتها مرة وجن جنوني‬           ‫أي ًضا‪ ،‬خصو ًصا تلك المتعلقة بتركي لحبيبتي الأولى‪،‬‬
  ‫عندما لم تسعفني أصابعي لمعرفة سبب وجودها‪،‬‬
 ‫رحت أدور على جميع الحدائق‪ ،‬ومحال الورد بحثًا‬                           ‫يبدو أنني كنت أرفض أن أتذكر‪.‬‬
                                                        ‫حبيبتي الثانية اقترح ْت أن نرسم م ًعا وشمين على‬
‫عن زهرة أقحوان‪ .‬رأتني فتاة صغيرة أحمل الزهرة‬             ‫شكل زرافة ‪-‬كونها حيوانها المفضل‪ -‬على الرقبة‬
    ‫وأداعب خدي بها‪ ،‬فقالت لأمها‪ :‬أريد وش ًما على‬       ‫من الخلف كدليل على حبنا‪ ،‬كانت تمتلك رقبة طويلة‬
   ‫خدي مثله‪ .‬جرتها الأم من يدها‪ ،‬وقالت غاضبة‪:‬‬             ‫وفاتنة‪ ،‬زادت الزرافة من فتنتها‪ ،‬غير أن زرافتي‬
                                         ‫حرام!‬          ‫بدت مش َّوه ًة فلم تستوعبها رقبتي القصيرة! أذكر‬
   ‫ذهب ُت مباشرة إلى بيت الفنان الذي وشم عنوانه‬
   ‫على ذراعي أي ًضا لأطلب منه وش ًما يشبه صوت‬             ‫أنها ضحكت عندما رأتها‪ ،‬فطلبت من الواشم في‬
                                                        ‫نفس اللحظة‪ ،‬أن ينسخ ضحكتها على صدري‪ ،‬ولما‬
‫الأم الغاضبة وهي تقول‪ :‬حرام‪ .‬فوجدت عنده رسم‬             ‫رأت تلك الضحكة حبيبتي الثالثة‪ ،‬وقد كانت كثيرة‬
‫زهرة الأقحوان في مجلد الوشوم‪ ،‬يبدو أنه أعجبني‪،‬‬
                                                            ‫الغيرة‪ ،‬رفضت أن تكمل علاقة الحب التي كنَّا‬
                                       ‫فوشمته‪.‬‬          ‫منهمكين فيها‪ ،‬وتركتني في حالة سيئة وحدي على‬
‫جسدي الممتلئ بالوشوم أذكر تفاصيل تاريخه الآن‬             ‫السرير‪ ،‬فثبت تركها لي وش ًما بنب ٍض لاهث حزين‬

   ‫شهق ًة وخفق ًة وزفي ًرا‪ ..‬أفتش فيه جي ًدا‪ ،‬ولا أجد‬                                     ‫أسفل بطني‪.‬‬
  ‫موض ًعا أضع وش ًما عليه بصوت حبيبيتي الأولى‬            ‫وهكذا صار جسدي ذاكرتي الجديدة‪ .‬أما ما كان‬
  ‫الذي صادف حضوره كنشيج حزين يوم موتي‪.‬‬                   ‫يزيد من تعلقي بها فهو أن ذاكرتي العلوية الغبية‬
                                                        ‫كانت تستجيب لذاكرة الجسد‪ ،‬وترسم لي الأحداث‬

                                                             ‫الخاصة بالوشم بمجرد مرور أصابعي عليه!‬
                                                        ‫لم تقتصر الوشوم على علاقاتي العاطفية فقط‪ ،‬فقد‬
   106   107   108   109   110   111   112   113   114   115   116