Page 112 - merit 41- may 2022
P. 112

‫العـدد ‪41‬‬  ‫‪110‬‬

                                                          ‫مايو ‪٢٠٢2‬‬

‫لميس الزين‬

‫(سوريا)‬

‫الدخيل‬

‫رج ُل مباح ٍث سابق ق َّطب جبينه موحيًا لجاره معلِّم‬          ‫عب َر الساح َة مطأطئًا رأ َسه‪ ،‬معتم ًرا قبَّعة سوداء‬
            ‫المدرسة بتفكير عميق قبل أن يص ِّرح‪:‬‬              ‫صلبة‪ ،‬لا شيء في مظهره غي ُر عادي سوى قنا ٍع‬
                                                             ‫من اللدائن يخفي نص َف وجهه الأيسر‪ ،‬النص ُف‬
   ‫ـ لا ب َّد أ َّنه مجر ٌم يخفي خلف قناعه هو ّي ًة تودي‬      ‫الآخر من الوجه بدا سلي ًما تما ًما وخاليًا من أ ِّي‬
 ‫به خلف القضبان‪ ،‬على مأمور البلدة أخذ بصماته‪.‬‬              ‫تش ُّوهات‪ ،‬رغم جمو ِد تعابيره‪ ،‬وخل ِّوه من ال َملاح ِة‪.‬‬
  ‫ثم تمتم بصوت غير مسموع‪« :‬هذا إن وجد وقتًا‬
                                                               ‫القنا ُع النصفي أثا َر َريب َة أه ِل البلدة‪ ،‬تهامسوا‬
                         ‫للصحو بين سكر َت ْين»‪.‬‬           ‫متداولين فيما بينهم عن سب ِب ارتداء الوافد الجديد‬
     ‫بالمقابل تساءل الجار‪ ،‬معلِّم المدرسة‪ ،‬في س ِّره‪:‬‬
‫«وهل يكشف نصف وجهه من أراد التخ ِّفي؟»‪ .‬لكنه‬                                                 ‫نصف قناع‪.‬‬
    ‫ارتأى عدم الدخول في نقاشات لا تعنيه‪ ،‬مو ِّف ًرا‬       ‫مم ِّر ُض المستوصف ش َّمر عن معلوما ِته ال ِطبيَّة قائ ًل‬

                          ‫طاقته لتأديب تلاميذه‪.‬‬                                       ‫بطريقة استعراضيَّة‪:‬‬
‫َف َتيا ِن يافعان نظرا إلى الواف ِد الجديد بإعجاب‪ ..‬قال‬       ‫‪ -‬لا ب َّد أن تش ُّو ًها نات ًجا عن ُجذام موضع ٍّي قد‬
                                                          ‫أصاب جان َب وج ِهه‪ ،‬فأشفق على الرائين من قسو ِة‬
                                         ‫الأول‪:‬‬
     ‫‪ -‬أظ ُّنه كان قرصا ًنا بعي ٍن واحد ٍة‪ ..‬ولما انتهت‬                   ‫المشهد بوضع هذا القناع الجزئي‪.‬‬
 ‫موضة القراصنة خج َل ووضع القناع مكان العين‬                 ‫لم يناق ْش ُه أح ٌد بأن الجذام لا يكون موضعيًّا؛ لأن‬

                                       ‫المقلوعة‪.‬‬                           ‫أح ًدا لم يكن يعر ُف تل َك المعلومة‪.‬‬
                                   ‫أجاب الآخر‪:‬‬                                    ‫رج ُل الإطفاء أدلى بدلوه‪:‬‬
   ‫‪ -‬أتمنى لو أعرف من أين اشتراه‪ ..‬نصف قناع‬
 ‫كهذا سيكون ِز ًّيا لافتا في الحفلة التنكرية‪ ،‬دون أن‬           ‫‪ -‬مساكي ٌن أولئك الناجون من الحرائق‪ ،‬تحفر‬
                              ‫تتوه عني حبيبتي‪.‬‬            ‫آثارها في أجسادهم‪ .‬والأسوأ عندما تكون في الوجه‬
   ‫كبير التجار ابتسم بمكر وهو يخ ِّطط‪« :‬استيراد‬
  ‫أنصاف أقنعة تكفي البلدة‪ ،‬ستكون صفقة العام‪،‬‬                                               ‫كصاحبكم هذا‪.‬‬
      ‫وهذا الوافد الجديد سيكفيني مؤونة الإعلان‬                 ‫طفل ٌة تسير بالقرب من أ ِّمها‪ ،‬تح َّولت إلى الجهة‬
                         ‫التجاري عن البضاعة»‪.‬‬                 ‫الأخرى منها حين م َّر الوافد الجديد من جهتها‪،‬‬
     ‫الأرملة التي عبرت الطريق تساءلت في سرها‪:‬‬
                     ‫«أتراه يخلع قناعه حين‪..‬؟”‪.‬‬                    ‫سأل ْت ٲ َّمها وهي تقبض على طر ِف ثوبها‪:‬‬
  ‫غانية البلدة قلبت شفتيها بشيء من عدم الرضا‪،‬‬                             ‫‪ -‬أ ِّمي‪ ..‬أهو الذئب الذي أكل ليلى؟‬

                                                              ‫قالت الأم وهي تجذب ابنتها لتلاصق جسدها‪:‬‬
                                                          ‫‪ -‬نعم إنه هو‪ ،‬هو بعينه؛ وقد أخفى واح ًدا من نا َبيه‬

                                                                     ‫ليضلِّل الصغار الذين يعصون أمهاتهم‪.‬‬
   107   108   109   110   111   112   113   114   115   116   117