Page 117 - merit 41- may 2022
P. 117
115 إبداع ومبدعون
القصــة في سوريا
را َح يبح ُث في الشرفات والأزق ِة والأرصفة عن -2الصبا ُح الأول للشاعر
مطلع قصيدة .لا شي َء سوى ثقو ٍب سوداء وزعها
يمنتنظرُرماال ِدصحباربحهالياتلفطقوديلةش.وإانر ُهعالاليمود ُيمنا ِةلأالونالهفيضةعقد كا َن
الرصاص ونثرتها شظايا القذائف على الجدرا ِن للتو
ال ُهدنة التي ُيعتقد أنها المُبشرة بنهاي ِة هذ ِه الحرب
والأمكنة .ثقو ٌب ُمعتمة وقاتمة لا توحي بأ ِي معنًى أو المجنونة .هكذا تقو ُل نشرا ُت الأخبار المُطولة في
مجاز .ثقو ٌب ُتج ِّر ُد البيو َت المُتلاصقة من حميميتها مساءات ضجره المُظلمة إلا من شمع ٍة خافتة وراديو
وتستبي ُح أ َّي َة لحظ ٍة شاعرية تخط ُر في البال.
إلى أن التقطت عينا ُه مشه ًدا غريبًا نشل ُه من صم ِت مبحوح يصل ُه بالعالم الخارجي.
الثقوب: س ُيبشر ُه أخي ًرا المُنتظر الذي الصباح هو نب ُّي ُه
وهو الدائرة في حيه بداي ِة المعارك بالقصيدة ،فمنذ
صبي ٌة ُتم ِّش ُط شع َرها في حضر ِة هذا الصبا ِح الغريب، مشغو ٌل عن كتاب ِة الشعر بمحاول ِة بقائ ِه على قي ِد
ُت ِط ُّل من ُعلُ ِو جمالِها على دما ِر الحي في مشه ٍد الحياة .وكانت هذه المُفارقة ُتزعجه ج ًّدا وتضع ُه في
مواجه ٍة وجودية مع هذا العالم المتوحش الذي لا
تنا ُقض ٍّي عجيب .وكا َن من الواضح أنها فرغت للتو يستم ُع لما يقول ُه الشعراء ،ويجع ُل صو َت غناء ِه عبثيًّا
من أخ ِذ حمامها الصباحي فقد كا َن شع ُرها ُمبت ًّل وخافتًا وس َط أصوا ِت الرصاص والمدافع.
خرج إلى الحي في ذلك الصبا ِح الأول ُمحاو ًل أن
وبإمكان ِه من حي ُث يق ُف مشدو ًها أن يستنش َق أري َج يأخ َذ من رياضة المشي تمرينًا على الثقة من جديد.
صابو ِن الغار الهاب ِط من ُشبَّاكها.
الثقة بهذه الحارات والشوارع التي كانت ُتخفي عنه
أخذ سيجار ًة وأشعلها جال ًسا على الرصي ِف المُقابل خل َف ك ِل جدا ٍر و ُمنعطف مو ًتا ُمحتم ًل .كا َن بالنسبة
ُمتأم ًل وحشي َة هذا الجمال الماثل أمامهُ ،محاو ًل أن له تمرينًا صعبًا نو ًعا ما ،أن تعتا َد أقدام ُه المش َي
يصه َر دهشت ُه تلك في بوتق ِة الموسيقى الشعرية ،كأن المنظوم وال ُخطى الرزينة من دون أن يضطر أن يكون
مسكو ًنا بهاج ِس الركض والهروب أو الانحناء عند
يقو َل مث ًل: سماع صو ٍت ما.
“بللي ري َق الوق ِت بالندى لحظ َة وصول ِه لناصي ِة الحارة تفاجأ بالجيران
يهرعون بغبط ٍة نحو مخبز الحي ويصطفو َن أمام
وعلقيني في المدى نافذت ِه طابو ًرا من الجياع طم ًعا بربطة خبز .قال
ولتمسحي عن وج ِه هذي الأرض آثا َر المُدى”. لنفسه“ :الصباح ُهنا مهن ُة الجياع ،لكن ُه حرف ُت َك أنت..
أن َت الذي وحدك تعنيك ج ًّدا هذه ال ُبره ُة الإبداعية
أو أن يقول: التي ُيعي ُد فيها الضوء خل َق ك ِل شي ٍء من جديد،
“أعيدي ل ُشبَّا ِك ُحزني الصباح مأخو ًذا بما ُيزي ُن ن َص المشه ِد الصباحي من بلاغ ِة
وغيبي لكي ُتشرقي في القصيدة التفاصيل .لا تنخرط في طابو ِر الجياع هذه المرة و ُك ْن
وعودي كما أشتري للبلا ِد بلا ًدا جديدة”. شاع ًرا”.
وبينما كا َن أه ُل الحي يتبضعو َن الخب َز والطعام؛ هكذا أقن َع نفس ُه بتغيير جهة سي ِر ِه عن المخبز
كا َن ه َو يشتري من هذا الشباك ِشع َر ُه ويتبضع من والبحث عن تفاصي َل صباحية ُتزود ُه بقصيدة.
ُدكان الجمال هذا ما يكفي ِه من مؤون ِة الخيال .إلى أن بدا ل ُه الحي في صباح ِه المُهادن الأول ُمرتب ًكا وغريبًا
شع َر بأنه أطا َل في تأ ُّمله واسترس َل كثي ًرا في قصيدته عن هذا الوقت من النهار ،في أبواب ِه المواربة ،ونوافذه
لدرج ٍة أثارت ريب َة الصبية ،فقر َر العود َة السريعة إلى المُهشمة والمُغلقةُ ،مرتب ًكا في صم ِت نساء ِه وهدو ِء
بيت ِه لتدوي ِن هذ ِه اللحظات ،قبل أن ُيس ِّم َر ُه في مكان ِه أطفاله وحتى في حبا ِل غسيل ِه المتروك ِة للريح كأوتا ٍر
صو ُت الفتاة نفسها وهي تصر ُخ ُمشير ًة إليه: ُمرتخية في عو ٍد مهجور.
-إن ُه لص ..أمسكوه ..لقد كا َن ينوي سرق َة برميل
المازوت خاصتنا ..منذ نص ِف ساعة وهو يراق ُب
البيت وينتظر اللحظة المناسبة لسرقته!!
وما هي إلا ثوا ٍن حتى اجتم َع أه ُل الحي حول ُه
بالضر ِب والشتائم إلى أن قادو ُه إلى المخفر ُمقيَّ ًدا
و ُمغيَّبًا من دون أن يدري ما الذي حص َل ل ُه بالضبط!