Page 119 - merit 41- may 2022
P. 119

‫‪117‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

     ‫رؤية‬

 ‫وثمة نوع آخر للقصيدة التي وجدت نفسها وسط‬
 ‫الحرب‪ ،‬فلم تجد لها ب ًّدا من التعامل معها بوصفها‬

   ‫ضرورة شعرية‪ ،‬ولعلها ‪-‬وبلا علم منها‪ -‬كانت‬
  ‫تستلهم الرأي الأرسطي القائل بأن الشعر أصدق‬
  ‫من التاريخ‪ ،‬ولذلك تركت المتن للحرب وذهبت إلى‬
   ‫الهامش وصورت الألم والخوف والقهر الجمعي‬
‫والموت الجماعي والتغريبة الكبرى‪ ،‬وهي وإن اغتنى‬
  ‫معجمها بمفردات الحرب‪ ،‬لكنها ص َّو َرتها فنيًّا من‬

   ‫خلال الانحياز للجمالي والرؤيوي وترك مسافة‬
    ‫بين الحدث والقصيدة‪ ،‬وفي هذه المسافة تخلقت‬
    ‫القصيدة وحولت الحرب إلى مقولة جمالية على‬
    ‫قبحها وشرها‪ ،‬وفي هذا القصيدة نتلمس بعض‬

        ‫الأصوات ذات المنحى الرؤيوي أو الملحمي‪.‬‬
     ‫وبين هذين الموقفين تتلمس القصيدة السورية‬
   ‫دورها في سبيل الخلاص‪ ،‬على اختلاف أشكالها‬
     ‫الفنية ومدارسها‪ ،‬مع ملاحظة سيطرة قصيدة‬
     ‫النثر ك ًّما على خريطة الشعر السوري‪ ،‬في حين‬
  ‫ظلت القصيدة العمودية مخلصة إلى حد ما للغتها‬
     ‫وقوانينها ومسكوكاتها التي وجدت في الحرب‬
      ‫ميدا ًنا رحبًا استعادت بها شيئًا من حماستها‬
   ‫وخطابيتها ووظيفتها الجماهيرية المباشرة‪ ،‬ومع‬
   ‫ملاحظة شديدة الأهمية تتمثل في تراجع قصيدة‬
  ‫التفعيلة‪ ،‬التي صالت وجالت منذ ستينيات القرن‬

             ‫الماضي وحتى مطلع الألفية الجديدة‪.‬‬
 ‫والمواقف السابقة من الحرب فرضت على الأشكال‬

     ‫الفنية واللغة الشعرية تغييرات جذرية وحادة‪،‬‬
    ‫فتراجعت التفعيلة كما أسلفت وتحول كثير من‬
     ‫كتابها إلى كتابة قصيدة النثر‪ ،‬وعلى الرغم من‬
  ‫وجود آباء شعريين لقصيدة النثر السورية أمثال‬
 ‫الماغوط ورياض الصالح الحسين‪ ،‬إلا أن القصيدة‬
 ‫الجديدة وإن كان فيها شيء من ملامح الماغوط أو‬
‫الحسين إلا أنها ابنة الحرب حتى وإن كانت تتناول‬
  ‫مواضيع أخرى كالحب‪ ،‬والحنين‪ ،‬ومن خصائص‬
    ‫لغتها الجديدة السمات اللغوية الأسطورية‪ ،‬ولا‬

       ‫نعني توظيف الأسطورة على أي حال‪ ،‬ففيها‬
      ‫التكرار‪ ،‬والتقابل الضدي‪ ،‬والعفوية‪ ،‬وأنسنة‬

                            ‫الأشياء والموجودات‪.‬‬
‫لقد عادت اللغة إلى أحد منابعها الصافية والمدهشة‪،‬‬

   ‫ومن هنا نلاحظ تراجع الزخرفة البلاغية الزائدة‬
   114   115   116   117   118   119   120   121   122   123   124