Page 123 - merit 41- may 2022
P. 123

‫نون النسوة ‪1 2 1‬‬

                     ‫لم تكن محبوبة هي الوحيدة التي تأثرت بنتيجة‬
                        ‫الحرب الكارثية‪ ،‬كما في قول الراوي‪« :‬قررت‬

                   ‫محبوبة أن تظل في دارها‪ ،‬أصبحت ملامحها أكثر‬
                       ‫حدة من ذي قبل‪ ،‬اختفت منها النظرة الحانية‪،‬‬
                     ‫عيناها صارتا عيني صقر‪ ،‬تلك الرموش الكثيفة‬
                     ‫التي كانت تسدلها كالليل الرخيم تحولت إلى ما‬

                  ‫يشبه الأسهم التي ترمي بها من يفكر في أن يقتحم‬
                   ‫بيتها‪ ،‬كانت نظرتها التي ملؤها الكبرياء والتحدي‪،‬‬
                  ‫جديرة بأن تجعل كل من يحاول الاقتراب منها يفر‬
                   ‫هار ًبا من أمامها خو ًفا‪ .‬افترشت حصيرتها في هذا‬
                  ‫المنزل شبه المتهدم في الحارة الجوانية‪ ،‬قضت ليلتها‬

                                  ‫تدعو «يارب استمع صلاتي»»(‪.)3‬‬
                    ‫وصلت محبوبة إلى هذه الحالة التي وصلت إليها‬

                       ‫بسب الاحتلال الفرنسي والحرب القائمة بين‬
                     ‫الأطراف المتنازعة‪ ،‬وما حدث لوالدها ومن بعده‬

                           ‫زوجها الذي فقدته وخسرت حياتها كلها‪.‬‬
                      ‫تقدم الرواية متخيَّ ًل سرد ًّيا لتجربة من رحلوا‬
                     ‫مع الجنرال يعقوب الذي خرج مع جنود الحملة‬
                       ‫الفرنسية بعد فشلها‪ ،‬ومات على إحدى السفن‬
                      ‫قبل أن يصل إلى فرنسا‪ .‬تقول ضحى عاصي‪:‬‬
                   ‫«باشرت قبل كتابة الرواية قراءة عشرات المراجع‬
                     ‫باللغتين العربية والفرنسية حول تجربة الحملة‬

                        ‫الفرنسية ونموذج المعلم يعقوب‪ ،‬وهو إحدى‬
                   ‫الشخصيات التي دار حولها جدل كبير في التاريخ‬

                     ‫المصري‪ ،‬نتيجة تعاونه مع الحملة الفرنسية على‬
                      ‫مصر (‪ ،)1801 -1798‬وبينما يرى البعض في‬
                     ‫تجربته محاوله للاستقلال ويقدمه كثائر متمرد‬
                    ‫على الظلم العثماني‪ ،‬إلا أن مؤرخين آخرين يرون‬
                      ‫تجربته شك ًل من أشكال التعاون مع الاحتلال‪.‬‬
                      ‫وقد ظهر المعلم يعقوب في أعمال روائية أخرى‬
                  ‫ومنها رواية صنع الله إبراهيم «القانون الفرنسي»‪،‬‬
                    ‫وتتابع ضحى عاصي قائلة‪« :‬ولكنني كنت معنية‬
                     ‫أكثر بهؤلاء الذين رحلوا معه ومات قائدهم قبل‬
                    ‫أن يصلوا إلى فرنسا‪ ..‬هؤلاء المئات وربما الآلاف‬
                     ‫المنسيين في كتب التاريخ‪ ،‬فبدأت الكتابة انطلا ًقا‬
                     ‫من هذا الشغف»‪ .‬وتتأمل الرواية عبر قصة حب‬
                      ‫بين بطلها «فضل» وزوجته «محبوبة»‪ ،‬مصائر‬
                    ‫شخصيات الرواية بعد رحيلهم مع المعلم يعقوب‪،‬‬
                    ‫وتطرح أزماتهم وأحلامهم وهواجسهم في فرنسا‬
   118   119   120   121   122   123   124   125   126   127   128