Page 164 - merit 41- may 2022
P. 164

‫العـدد ‪41‬‬                                 ‫‪162‬‬

           ‫مايو ‪٢٠٢2‬‬

‫ميكيافيلي‬  ‫إغفاله أو القفز عليه‪ .‬اعترف هيغل‬              ‫العروي‪ ،‬تنفي التناقض داخل‬
               ‫بالتناقض بين الفرد والمجتمع‬                ‫الفرد وداخل المُجتمع‪ ،‬وترى‬
              ‫لكنه لم يعترف بديمومته‪ .‬كما‬            ‫التنا ُقض فقط بين الفرد والمُجتمع‬
                ‫أ َّكد أي ًضا هيغل أ َّن ك َّل دولة‬     ‫من جهة وبين الدولة من جه ٍة‬
              ‫تجه ُل حر َّية الوجدان هي دول ٌة‬         ‫ثانية‪ .‬ولم تفلح هاتين الدولتين‬
                                                     ‫في إدراك الدولة إدرا ًكا موضوعيًّا‬
           ‫ناقصة‪ ،‬والدولة أي ًضا التي تجه ُل‬          ‫رغم الجهد النَّظري الجاد‪ ،‬وبقيتا‬
             ‫الذات وتتج َّم ُد عند تناقضها مع‬
               ‫ال َّذات هي ناقصة‪ ،‬في حين إ َّن‬             ‫على عتبة فكرة ال َّدولة دون‬
                                                                        ‫التط ُّرق إليها‪.‬‬
           ‫الدولة الكاملة‪ ،‬المعقولة‪ ،‬فهي التي‬
            ‫تعت ِر ُف بحرية ال َّذات وتعم ُل على‬        ‫انتقل عبد الله العروي للحديث‬
              ‫غمس الذات في المبدأ العام التي‬          ‫عن أسطورة الدولة التي ابتدعها‬
                                                     ‫إرنست كاسيرر‪ ،‬وأول من أحياها‬
                           ‫تتر ُك الفرد ح ًّرا‪.‬‬        ‫هو ميكيافيلي بعدما واجه فكر ُه‬
             ‫يقول هيغل في ر ِّده على المدرسة‬         ‫بعض الصعوبات‪ ،‬قبل أن يكتسح‬
                                                      ‫الحقل السياس ِّي في القرن الثَّامن‬
                ‫الأولى‪« :‬إ َّن الكيان السياس َّي‬     ‫عشر بعد أن احتضن ُه هيغل وبيَّن‬
           ‫الذي يستح ُّق اسم دولة هو الذي‬
                                                         ‫أهدا َف ُه ورؤاه‪ .‬وانتصر هيغل‬
             ‫يحتم ُل التنا ُقض ويتجاوزه‪ ،‬بل‬           ‫وميكيافيلي بعد قرون عديدة من‬
               ‫يجع ُل منه وسيلة للحفا ِظ على‬           ‫الصراع المحتدم والمتواصل بين‬
            ‫الوحدة»(‪ .)2‬أما رده عن المدرسة‬           ‫الأسطورة والمنطق‪ .‬ولع َّل من أهم‬
              ‫الثانية؛ يقول عبد الله العروي‪:‬‬
            ‫«لجأ هيغل إلى مفهوم التضحية‪.‬‬                ‫الأسباب التي جعلت ميكيافيلي‬
                ‫لو كانت المصلحة هي ركيزة‬              ‫يض ُع ورود الانتصار على رأسه‬
           ‫للدولة لكن من التناقض ُمطالبتها‬
              ‫بتضحية الفرد في سبيلها‪ .‬لأن‬                      ‫هو انهيا ُر نظر َّية الحق‪.‬‬
             ‫الدولة ليست مبنية على مصلحة‬             ‫يو ِّضح عبد الله العروي الاختلاف‬
               ‫الفرد وليس هدفها الدفاع عن‬
                                                       ‫الحاصل بين التاريخ والفلسفة‪.‬‬
                                                         ‫الأول‪ ،‬أي التاريخ؛ يح ِّدثنا في‬
                                                         ‫فترا ٍت معينة عن تناق ٍض بين‬

                                                      ‫قانون القلب وقانون الدولة‪ ،‬بين‬
                                                       ‫الوعي الذاتي والقاعدة القانونية‬
                                                        ‫الخارجية‪ ،‬أ َّما الفلسفة؛ الباحثة‬
                                                       ‫عن الحقيقة العقلية؛ فتهد ُف إلى‬
                                                     ‫كشف معنى الدولة ‪-‬في ذاتها‪ -‬لا‬

                                                                   ‫عن الدولة ال ُفضلى‪.‬‬
                                                           ‫في هذا ال ِكتاب خ َّصص عبد‬
                                                          ‫الله العروي جز ًءا كبي ًرا منه‬
                                                             ‫للحديث عن نظرية الدولة‬

                                                                ‫عند هيغل‪ ،‬باعتبار أ َّن‬
                                                            ‫هيغل يع ُّد مرج ًعا أساسيًّا‬

                                                               ‫للتنظير للدولة لا ُيمك ُن‬
   159   160   161   162   163   164   165   166   167   168   169