Page 166 - merit 41- may 2022
P. 166

‫النَّقد ال ِّديني)‪ ،‬والثاني أخلاقي‬   ‫ُيعطي هيغل تعري ًفا جوهر ًّيا للدولة‪:‬‬
    ‫ونقدي عند كانط‪ ،‬الذي واجه‬            ‫"هي الفكرة الأخلاقية الموضوعية إذ‬
                                         ‫تتح َّقق‪ ،‬هي الروح الأخلاقية بصفتها‬
      ‫الملكية المُطلقة وكان ليبراليًّا‬   ‫إرادة جوهرية تتجَّلى واضحة لذاتها‪،‬‬
‫وضعانيًّا‪ .‬هل يمكن اعتبار نظرية‬          ‫تعرف ذاتها وتف ِّكر بذاتها و ُتنجُز ما‬
‫الدولة عند هيغل هي نق ٌد للأخلاق‬        ‫تعرف لأ َّنها تعرف ُه"‪ .‬إ َّن هذا التعريف‪،‬‬

   ‫والمُ ُث ْل؟ للأسف الشديد‪ ،‬هذا لم‬        ‫على ح ِّد قول عبد الله العروي‪ ،‬هو‬
‫يثبت عند هيغل بتا ًتا‪ .‬نظرية هيغل‬             ‫تعري ٌف مع َّقد بالغ التجريد‪ ،‬لكن‬
‫مبنية على الواقع‪ ،‬ومع هذه الفكرة‬         ‫تعقيداته تأتي من التصاقه بالواقع‪.‬‬

    ‫ستنبثق لنا النظرية الماركسية‬        ‫إعجاب ِه الشديد بالثورة الفرنسية‪،‬‬               ‫متو ِّحدة من أجل الدفاع عن‬
                     ‫الفوضوية‪.‬‬                                                         ‫حدودها و ُممتلكا ِتها‪ ،‬ولم يكن‬
                                            ‫وانبهاره بأطوارها وبالتح ُّول‬          ‫بالإمكا ِن أب ًدا مقارنتها مع فرنسا‬
      ‫تع َّودنا على كتابات عبد الله‬        ‫الذي أحدثته‪ ،‬فقد و َّجه لمبادئها‬           ‫كبل ٍد يانع أنتج لنا التنوير‪ ،‬ولا‬
    ‫العروي المرهقة‪ ،‬التي يصع ُب‬
                                             ‫نق ًدا لا ِذ ًعا؛ أبر ُز هذه المبادئ‬        ‫مع إنجلترا كق ّوة اقتصادية‬
       ‫فهمها بسهولة‪ ،‬لكن هذا لا‬           ‫هما اللِّيبرالية وهي حرك ٌة فكرية‬        ‫وصناعية صاعدة آنذاك‪ ،‬ولا حتى‬
      ‫يمنع من كسر ذلك الحاجز‬                                                        ‫مع روسيا كقوة ُعظمى‪ .‬من هذه‬
  ‫والانفتاح على أعماله واقتحامها‪.‬‬          ‫تقو ُم على الحر َّية والمساواة‪ ،‬ثم‬
 ‫ا َّتسمت كتابة العروي عن الدولة‬            ‫الديمقراطية‪ .‬يؤخذ على الدولة‬              ‫ال ُّنقطة المحورية والها َّمة انطلق‬
 ‫الإيجابية باسترسال ُمر َّكز لأهم‬        ‫الهيغيلة كونها تتح َّك ُم في العقيدة‬        ‫تفكي ُر هيغل‪ ،‬حيث اعتبر فرنسا‬
     ‫أفكار وتص ُّورات هيغل حول‬          ‫والوجدان بواسطة القمع‪ ،‬وتتدخل‬                ‫«دولة»‪ ،‬لكن ألمانيا لم تصل بعد‬
  ‫الدولة‪ ،‬انطلا ًقا من السياق الذي‬          ‫في ك ِّل نشا ٍط مادي أو ذهني‪،‬‬             ‫للاكتمال لتصبح دولة بالمعنى‬
  ‫عاش فيه‪ .‬واستعرض أي ًضا ر َّد‬
  ‫هيغل على المدرستين‪ :‬الأخلاقية‬              ‫و ُتعادي الفرد و َتع َتبِ ُر نفسه‬          ‫الحقيقي‪ .‬إ َّن هيغل يتكلَّم عن‬
    ‫والطبيعية‪ ،‬وقام بالتفصيل في‬             ‫شريرة‪َ .‬ن ْق ُد هيغل لا يمك ُن أن‬      ‫الدولة حس َب ُمقتضيا ِت مفهومها‪،‬‬
‫ردوده بمنتهى الد َّقة‪ .‬يل ِّخ ُص عبد‬      ‫يكون لائ ًقا إلا باستبعاد مفهوم‬
  ‫الله العروي في هذا الفصل رأي‬            ‫الدولة ذاته كما تفع ُل الفوضوية‬               ‫لا عن الدولة القائمة‪ .‬وبذلك‬
   ‫هيغل في الدولة‪ ،‬باعتبارها هي‬                                                       ‫س ُيعطي تعري ًفا بسي ًطا للدولة‪:‬‬
   ‫«الفكرة الأخلاقية الموضوعية»‬                              ‫الماركسية‪.‬‬             ‫«دولتي هي الدولة ‪-‬في‪ -‬ذاتها»‪.‬‬
                                            ‫كان هيغل هو نقط ُة التقا ٍء بين‬         ‫كثيرون انطلقوا من هذا التعريف‬
                     ‫الهوامش‪:‬‬
                                           ‫القديم والجديد‪ ،‬فنظرية الدولة‬                 ‫وظ ُّنوا أن هيغل أراد تحقي َق‬
     ‫* طالب باحث بسلك الدكتوراه‪،‬‬                                                    ‫نظريته في النظام البروسي‪ ،‬لكن‬
     ‫جامعة شعيب الدكالي‪ ،‬الجديدة‪،‬‬           ‫هي نقد أدلوجة الوجدان التي‬
                                          ‫تأخ ُذ شكلين‪ :‬ديني ميتافيزيقي‬                ‫في هذا ا ِّدعا ٌء كبير‪ .‬هيغل رغم‬
                           ‫المغرب‪.‬‬
  ‫‪ -1‬عبد الله العروي‪ ،‬مفهوم الدولة‪،‬‬        ‫عند الق ِّديس أوغسطين (منطق‬
‫المركز الثقافي العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪،10‬‬

                    ‫‪ ،2014‬ص‪.17‬‬
    ‫‪ -2‬مفهوم الدولة‪ ،‬المرجع سابق‪،‬‬

                           ‫ص‪.30‬‬
           ‫‪ -3‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.31‬‬
   161   162   163   164   165   166   167   168   169   170   171