Page 238 - merit 41- may 2022
P. 238

‫عن المعنى‪ ،‬لتنشيط ملكة النظر‬                                ‫العـدد ‪41‬‬                          ‫‪236‬‬
‫والنقد والفهم لواقعهم‪ .‬وأذكر هنا‬
 ‫موق ًفا طري ًفا‪ ،‬كنت قد كتبت ن ًّصا‬                                           ‫مايو ‪٢٠٢2‬‬  ‫وتجسيدها لروح الحدث‪ ،‬وغيرها‬
 ‫بعنوان «سوناتا النافذة»‪ ،‬وقرأته‬                                                           ‫من الفنون والآداب‪ .‬والحق أنني‬
                                        ‫ذلك وأنا صاحب قلم‪ ،‬ويلزمني‬                          ‫لم أكن أتوجه بكتابتي إلى قارئ‬
    ‫في لقائنا الدوري‪ ،‬حينذاك‪ ،‬في‬       ‫مشاركة من أعبر عنهم أحوالهم‬                         ‫بعينه‪ ،‬كما هو المعتاد والمتص َّور‪،‬‬
 ‫منزل الأديب إدوار الخراط‪ ،‬فإذا‬                                                            ‫وإنما كان طموحي‪ ،‬وما زال‪ ،‬أن‬
 ‫به يسألني‪ :‬أن َت عارف يعني إيه‬           ‫ومصائرهم‪ ،‬ليتحقق الصدق‬                           ‫تصنع كتابتي قارئها‪ ،‬وهو أمر‪،‬‬
 ‫سوناتا؟ فابتسمت وقلت‪ :‬أعرف‪.‬‬                                 ‫لأعمالي‪.‬‬                     ‫أعلم‪ ،‬شديد الصعوبة‪ ،‬وتح ٍّد ليس‬
  ‫والمقصود؛ أن يحاول القارئ أن‬
‫يعرف ليدرك الدلالة‪ ،‬ويفك شفرة‬            ‫كتابة النص القصصي‬                                                        ‫بالهين‪.‬‬
 ‫النص‪ ،‬وتتطور قدراته ليصل إلى‬           ‫القصير ج ًّدا بهذا الشكل‬
                                                                                          ‫لكن ما الذي دفعك لكتابة‬
                ‫فك شفرة العالم‪.‬‬           ‫من الغموض‪ ،‬إلى ماذا‬                              ‫تعاني على هذا النحو من‬
                                            ‫يمكن رده في وجهة‬                               ‫نوع خاص من الاغتراب‬
‫في كتاباتك القصصية يكاد‬                                 ‫نظرك؟‬
   ‫يسيطر الحس الصوفي‬                                                                             ‫والهامشية تضاف‬
      ‫بمعناه المتسامي في‬                ‫اسمح لي أن أختلف معك حول‬                            ‫لاغتراب موجود وواقع‬
                                      ‫المفهوم؛ فالغموض إخفاء ومداراة‬                      ‫بالفعل للكتابة القصصية‬
‫العشق والنشوة والسعي‬
    ‫لما هو إلهي على أجواء‬                ‫وتعمية‪ ،‬أما ما قصدت أنا إليه‬                            ‫والإبداعية عمو ًما؟‬
                                       ‫فهو الترميز القابل لفك شفرته‪،‬‬
 ‫الأعمال‪ ،‬ويظهر مضفو ًرا‬                ‫والمجاز المتضمن لمفاتيحه‪ ،‬وإن‬                          ‫تلك كانت مغامرتي‪ ،‬التي لم‬
 ‫فيما هو حسي وجسدي‪.‬‬                      ‫كنت أتفق معك في صعوبة فك‬                          ‫يدركها كثيرون‪ ،‬حتى من النقاد‪،‬‬
 ‫كيف ترى ذلك؟ وما الذي‬
  ‫ترمي إليه من خلال هذا‬                  ‫الشفرة‪ ،‬ويرجع ذلك ربما إلى‬                         ‫وإن وجدت صداها لدى الأكثر‬
                                           ‫محدودية الثقافة بشكل عام‬                          ‫من كتَّاب جيلي‪ ،‬والحقيقة أني‬
     ‫المزج حيث يتعارض‬                    ‫لدى القراء‪ ،‬ولعل هذا مرجعه‬                            ‫لم أكن مشغو ًل بفك معضلة‬
                                        ‫إلى موضوع القراءة والتعلم في‬                       ‫الاغتراب بقدر ما تركز اهتمامي‬
                                         ‫ثقافتنا‪ ،‬ومثال ذلك حين ألجأ‬                        ‫في التعبير عنه‪ ،‬لأنني تصورت‬
                                          ‫في عملي إلى رمز تاريخي‪ ،‬أو‬                       ‫أنني فهمت أسبابه‪ ،‬والتي رأيتها‬
                                         ‫أسطوري‪ ،‬أو مفهوم موسيقي‬                          ‫في محدودية الثقافة‪ ،‬بين المثقفين!‬
                                      ‫أو تشكيلي‪ ،‬فمن لديه تلك الثقافة‬                      ‫وأقصد بالثقافة معناها الواسع؛‬
                                        ‫المتنوعة ليدرك المدلول والمعنى‬                     ‫من فهم وقدرة على رؤية الواقع‪،‬‬
                                                                                           ‫الاجتماعي والسياسي والبشري‬
                                                             ‫المقصود‬
                                                            ‫من ذلك؟‬                            ‫والنفسي وغير ذلك‪ ،‬بنظرة‬
                                                             ‫وهذا ما‬                          ‫متكاملة‪ ،‬بينما يبرع مثقفونا‪،‬‬
                                                                                           ‫عادة‪ ،‬في الجانب الأدبي والنقدي‬
                                                               ‫أردت‬                          ‫فحسب‪ ،‬وكذلك الجهل المنتشر‬
                                                               ‫إثارته‬                     ‫في أوساط العامة‪ ،‬واستغلال ذلك‬
                                                                                          ‫كله من جانب المنوط بهم حل تلك‬
                                                                ‫لدى‬                       ‫المشكلة‪ .‬وهي حالة رأيت محاولة‬
                                                              ‫القراء‪،‬‬                       ‫الخلاص منها نو ًعا من الهروب‬
                                                            ‫أن ُيثري‬                          ‫والنجاة بالنفس‪ ،‬وكيف أفعل‬
                                                               ‫النص‬
                                                            ‫معارفهم‪،‬‬
                                                             ‫ويحثهم‬
                                                           ‫على البحث‬
   233   234   235   236   237   238   239   240   241   242   243