Page 101 - ميريت الثقافية رقم (28)- أبريل 2021
P. 101

‫‪99‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫قصــة‬

 ‫خاص‪ ،‬ولا تتحادث مع أحد‪ .‬فربما هذا ما أكسبها‬         ‫للتعارف‪ .‬أعادتك الأفكار والجمل إلى عتبة سؤال‬
   ‫عداوة من حولها‪ ،‬وازدياد إعجابك بها‪ .‬لم تعرف‬                                 ‫يدق رأسك وبشدة‪:‬‬
    ‫كيفية التواصل معها‪ ،‬والتقرب لها‪ .‬القدر أسرع‬
  ‫من رغبتهم في إثنائك عنها‪ ،‬وأكبر من قدرتك على‬      ‫‪ -‬لماذا؟ لماذا حدث كل ذلك إذا لم تكن النهاية غير‬
  ‫التدبير‪ .‬في الوقت الذي هممت فيه بدخول الطرقة‬                                           ‫مرضية؟‬

    ‫المؤدية إلى الحمام الرجالي‪ ،‬كانت تغادر الطرقة‬      ‫احتضنت وسادتك وتشبثت بها حينًا‪ ،‬ونزعتها‬
   ‫متجهة نحو نفس الباب للخروج منه‪ .‬اصطدمتما‬          ‫من أسفل رأسك لتسنده فوق راحتيك حينًا آخر‪.‬‬
                                                   ‫تقلبت من التفكير‪ ،‬ولم تعرف أن كثرة التفكير ُبعد‬
    ‫صدفة‪ ،‬تلاصقتما لأقل من ثانية‪ ،‬ولكن ذلك لم‬       ‫بلا إرادة‪ ،‬وأن الاستسلام والاستمتاع عشق‪ .‬أمك‬
  ‫يمنع إحساسك بسخونة أنفاسها‪ ،‬وطراوة ثدييها‬          ‫الوحيدة التي شعرت بك‪ ،‬على الرغم من انطوائك‬
                                                      ‫على نفسك‪ ،‬وبرغم أنك لم تحك لها‪ .‬فهي تعرف‬
    ‫المتقاربين‪ .‬فاختفت رهبة الموقف بعدما تملككما‬   ‫عن الوسائد أكثر منك وإن لم تخض تجارب مثلك‪،‬‬
‫ضحك غير إرادي‪ .‬ولم تنس تلك اللحظة التي تشبه‬         ‫كما تعلم رغبة من بلغ مثلك على اختبار قدرته في‬
  ‫انسحاب روحك حين تعلو الأرجوحة بك ثم تهبط‬         ‫الاختيار وحده‪ .‬تابعتك عن ُبعد وأنت تحاول اتخاذ‬
                                                      ‫قرارك‪ .‬تأثرت لتأرقك وعدم قدرتك على التقرير‬
    ‫للسكينة والأمان‪ .‬قررت التحدث معها والتقرب‬       ‫والحزم‪ ،‬ولكنها أرادت أن يشتد عودك في مواجهة‬
  ‫إليها حين تراها مرة أخرى‪ ،‬ولكن حين لاحت لك‬       ‫الحياة والمواقف‪ .‬وحين أدركتك التوهة‪ ،‬حكيت لها‪،‬‬
   ‫عن ُبعد‪ ،‬أدارت وجهها وكأنها لا تعرفك‪ .‬تذكرت‬     ‫فاكتفت بجملة واحدة تعلم يقينا صداها الفاصل في‬
    ‫بساطة الطويلة وخفة ظلها كشيء من الحسرة‪.‬‬
                                                                                         ‫صراعك‪:‬‬
    ‫قررت مواجهتها بما في داخلك من غيظ‪ ،‬ولكنك‬         ‫‪ -‬أفعل ما ترتاح له نفسك‪ ،‬وتميل بداخلك كفته‪.‬‬
    ‫تراجعت خو ًفا من ردة فعلها‪ .‬تمالكت أعصابك‬
  ‫فأدركت أن بذرة الإعجاب تمخضت حبًّا‪ .‬قلت في‬                      ‫***‬
‫نفسك أن الوسائد التي نتمناها لشعورنا بمناسبتها‬
  ‫لنا تحتاج للمحاربة من أجلها‪ ،‬ولكن بحرص‪ .‬هذا‬         ‫ُعدت تدريجيًّا إلى نوم العازب‪ .‬تقرفص ساقيك‪،‬‬
    ‫أول الحب‪ .‬في الحمام الحريمي الملاصق للحمام‬       ‫وتضع راحتيك أسفل رأسك ولكنك لم تذق راحة‬
 ‫الرجالي الذي تفك فيه عن نفسك‪ ،‬سمعتها تتحادث‬        ‫البال‪ .‬قررت اعتزال تلك الوسائد التي تجذبك على‬
                                                     ‫الإنترنت‪ ،‬ولم تعد النظر في أي من تلك العابرات‬
       ‫في «الموبايل» إلى شخص ما بصوت خفيض‪.‬‬          ‫اللاتي يملأن سريرك‪ .‬ولم تلتفت مطل ًقا لتلك التي‬
   ‫تترك قاعدتك‪ ،‬وتتنصت الجدار فلم تسمع سوى‬          ‫تضعها أمك بهدوء أسفل رأسك‬
  ‫بكائها الذي أثارك وأربكك‪ .‬كيف يتحكمن في نبرة‬
‫أصواتهن إلى هذا الحد؟ ارتدت ملابسها‪ ،‬ولم تعرف‬         ‫وأنت نائم لاعتقادها بأن فيها‬
   ‫ذلك إلا بعدما سمعت صوت «السافون»‪ ،‬وخرير‬          ‫أمانك‪ ،‬وثقتها في قطنها الذي مز‬
   ‫مياه حنفية الحوض‪ .‬استعدت للخروج فسبقتها‬
 ‫بسرعة إلى الخارج‪ .‬انتظرت وشكوكك الداخلية في‬          ‫أمامها‪ .‬ولم تهتم بتلك البيضاء‬
 ‫سلوكها بنا ًء على تجربتك القديمة تختلط بمخاوفك‬         ‫«القشطيكا» التي أشار عليك‬
  ‫عليها‪ .‬تمنيت لو يخونك سمعك في تقدير صوتها‪.‬‬           ‫زميل العمل اليائس للارتباط‬
‫لو يتزعزع إحساسك بأنها لم تكن صاحبة الصوت‪،‬‬            ‫بها بد ًل من تلك الجديدة التي‬
‫على الرغم من حفظك لنبرة صوتها‪ .‬خرجت وكأنها‬
   ‫لم تكن تلك التي كانت تبكى‪ ،‬فزادتك تأرج ًحا ما‬      ‫أعجبتك‪ .‬الكل يرى راحتك من‬
   ‫بين التعلق بها أو إعادة التفكير‪ .‬مارست عادتها‬    ‫وجهة نظره‪ ،‬وأنت رأيتها في تلك‬
  ‫في التجاهل وكأن الموقف الذي هزك لم يؤثر بها‪.‬‬      ‫«المدملكة» القمحاوية التي جمعك‬
 ‫حاول ُت التأكد بأنها لم تكن وحدها بالحمام‪ .‬سألت‬     ‫بها عمل ودور واحد‪ .‬استرحت‬
  ‫عاملة النظافة أن تتأكد إن كان هناك أحد بالداخل‬   ‫لتضاريس جسمها‪ ،‬وتناسبها مع‬

                                                      ‫طموحاتك‪ .‬أحسست أن عالمها‬
   96   97   98   99   100   101   102   103   104   105   106