Page 98 - ميريت الثقافية رقم (28)- أبريل 2021
P. 98

‫العـدد ‪28‬‬   ‫‪96‬‬

                                                     ‫أبريل ‪٢٠٢1‬‬

‫«دعيه‪ ..‬المرأة تعيش لوحدها‪ ،‬وهي تحبه»‪ .‬فاستأنف‬         ‫ففشل‪ ،‬فأبقاها بين يديه حتى جاءت الأرملة‪ ،‬بكت‬
 ‫السير وهو يتساند على الجدران والحذاء في قدميه‪،‬‬         ‫لما لمحتها‪ ،‬وأعادتها إلى زمن ابتعدت عنه‪ ،‬وروي ًدا‬
                                                         ‫روي ًدا بدأت تسكت‪ ،‬وتتسربل بالصمت‪ ،‬فتحس‬
    ‫تستقبله المرأة بفرحة وتتركه يتجول براحته في‬      ‫بالفقد وأنها تحتاج لحضن يحتويها‪ ،‬رفعته وضمته‬
   ‫بيتها‪ ،‬وذات مساء وفي غفلة منها‪ ،‬وجد نفسه في‬         ‫إلى صدرها‪ ،‬وجدت بداخلها الجوع ينمو وشعرت‬
  ‫غرفة نومها‪ ،‬شد درج الكمودينو ففتح‪ ،‬وتعلق به‪،‬‬          ‫برغبة قوية في أن تفترس خديه المتوردين‪ ،‬فعلت‬
‫وسحب شيئا طر ًيا مسجو ًنا داخل غلاف بلاستيك‪،‬‬          ‫ثم رمقته بعينين باسمتين‪ ،‬وأحست بأنها في حاجة‬
    ‫وضعه بين فكيه‪ ،‬وراح يلوكه‪ ،‬دون أن تند عنه‬          ‫لمنحه هدية‪ ،‬لأنه أبلى بلا ًء حسنًا وعثر لها على كنز‬
  ‫أي رغبة في الانفلات‪ ،‬فلما تعب‪ ،‬حمله وغادر بيت‬       ‫زوجها الذي كان يخفيه‪ ،‬فعادت وقبلته وهي تقول‪:‬‬

      ‫الأرملة‪ ،‬لتتناوله منه أمه‪ ،‬وتخرجه من غلافه‪،‬‬                         ‫الشكر لله ولك يا نور عيني!‬
      ‫وتدفع بمقدمته بين شفتيها‪ ،‬وتنفخه‪ ،‬فيتمدد‬         ‫وامتلأت بالسعادة فحملته وخرجت‪ ،‬كابدت حتى‬
  ‫بالطول‪ ،‬وأخذ هيئة تخالف شكل البالون الكروي‪،‬‬        ‫وصلا لدكان البقال‪ ،‬أجلسته على البنك‪ ،‬وغدا وجهها‬
     ‫أصبح اسطواني الشكل‪ ،‬واعتبرته نو ًعا جدي ًدا‪،‬‬        ‫أكثر إقبا ًل على الحياة‪ ،‬اشترت له علبة بسكويت‬
    ‫وسارعت إلى ربطه بخيط‪ ،‬وجعلت طرف الخيط‬             ‫كبيرة‪ ،‬ولنفسها باكو لبان وقرطاس لب‪ ،‬ثم حملته‬
  ‫في يده‪ ،‬فلما دخل زوجها ولمحه‪ ،‬وجم‪ ،‬وندت عنه‬          ‫وهو متوحد مع صدرها إلى تاجر القماش‪ ،‬قطعت‬
 ‫صرخة وسألها‪ ،‬فلما أخبرته بأن الصغير أحضره‬             ‫له قطعة قماش كستور‪ ،‬وعادا إلى بيتها‪ ،‬وكل هذا‬
      ‫من بيت الأرملة‪ ،‬سالت كلمات كثيرة من فمه‪،‬‬          ‫وأمه لا تبحث عنه‪ ،‬حتى أنهى على باكو بسكويت‬
‫زوجته خرجت بكلمة واحد (عاهرة) حلت محل اسم‬              ‫أكله وشرب كوب اللبن‪ ،‬عندها‪ُ ،‬طرق باب الأرملة‪،‬‬
 ‫الأرملة‪ ،‬ولما سأل ْت زوجها عن اسم البالون‪ ،‬صمت‬
        ‫ثم أطلق الوصف كورم مخجل‪ :‬عازل طبي!‬                ‫فلما فتحت وجدت أمه تسأل عنه‪ ،‬كانت تحمل‬
                                                     ‫عرجونها الذي تكنس به البيت‪ ،‬فلما عرفت بوجوده‬
                 ‫(‪)3‬‬                                  ‫وبما حدث‪ ،‬كانت قاسية في ردها‪ ،‬والأرملة سكتت‬

‫بعد أن اطمأنت إلى خلو البيت من الضجيج‪ ،‬أحكمت‬           ‫وبمنتهى اللطف أخبرتها أنها ستقوم بشراء حذاء‬
    ‫غطاء المشنة المشدودة إلى السقف بواسطة ثلاثة‬          ‫جديد له‪ ،‬يكون أول حذاء يدخل قدميه‪ ،‬فصمتت‬
    ‫حبال حتى تكون قريبة من يدها‪ ،‬بعدما وضعت‬
                                                           ‫أمه‪ ،‬والأرملة تتفرسها بخوف ورهبة‪ ،‬وأخي ًرا‬
  ‫فيها ما تبقى من طعامهم‪ ،‬ثم رفعت ثيابها وقامت‬            ‫تمتمت بكلمات غير مفهومة‪ ،‬اعتبرت ذلك قبو ًل‬
‫بدهان الحلمتين بالصبار‪ ،‬كانت الشمس قد ارتفعت‬          ‫منها‪ ،‬ومدت يدها إلى النملية القريبة وتناولت ورقة‬
 ‫بمقدار يسمح بحركة الناس‪ ،‬وجلست تنتظر طفلها‬            ‫وقل ًما‪ ،‬ووضعت قدميه على الورقة وبالقلم حددت‬
                                                       ‫المقاس‪ ،‬تظاهرت أمه بعدم الاكتراث حينما تحدثت‬
    ‫الذي كان يطارد الدجاج في جوف الدار‪ ،‬وحينما‬          ‫الأرملة عن باتا وما فيها من أحذية‪ ،‬وأنها سوف‬
  ‫لم يعد قاد ًرا على تقبل اللعب‪ ،‬بسبب خواء معدته‪،‬‬    ‫تشتري حذا ًء جمي ًل وخفي ًفا وبنمرة زيادة‪ ،‬شكرتها‪،‬‬
  ‫قفل عائ ًدا إليها‪ ،‬نزعت الحذاء من قدميه‪ ،‬فجثا على‬       ‫وحملته وغادرت إلى بيتها‪ ،‬كان الصمت عمي ًقا‪،‬‬
  ‫ركبتيه‪ ،‬ومن فتحة جانبية في ثوبها أخرجت فردة‬           ‫فبدأت تترنم بأغنية من أجل تنويمه‪ ،‬أمر لم تفلح‬
‫ثديها‪ ،‬ولم تكن لديها أي رغبة كالمعتاد في النظر إليه‬    ‫فيه‪ ،‬ولولا حضور والده من العمل ما تنازلت عن‬
‫لحظة أن دس حلمتها بين شفتيه‪ ،‬كما لو كانت تكره‬
‫رؤية الكابوس الذي ُنقل إليها من خلال أفواه اللاتي‬                                           ‫غرضها!‬
                                                           ‫كانت خمس دقائق كافية لأن تسرد على سمع‬
                           ‫أشرن عليها بما فعلت‪.‬‬       ‫زوجها ما حدث في بيت الأرملة‪ ،‬راق له الأمر‪ ،‬ومن‬
     ‫ومع أول ضمة من شفتيه على الحلمة‪ ،‬تسرب‬              ‫بين شفتيه طارت كلمات الشكر للأرملة‪ ،‬وما إن‬
  ‫المرار إلى فمه‪ ،‬وسمعت صراخه‪ ،‬فهي المرة الأولى‬        ‫رأى الحذاء في قدميه حتى أطلق صيحة استحسن‬
 ‫التي يعرف فيها المرارة‪ ،‬وقبالته وعلى مقربة منهما‬
     ‫كان الفأر يسقط من السقف على سطح المشنة‪،‬‬                                           ‫بها ذوق المرأة‪.‬‬
 ‫فابتسم له‪ ،‬بينما أمه تضع في إناء من الزنك الكثير‬         ‫وبدأت أمه تبذل جه ًدا كبي ًرا لمنعه من أن يصل‬
                                                         ‫إلى بيت الأرملة‪ ،‬إلا أن والده كان يوبخها بقوله‪:‬‬
   93   94   95   96   97   98   99   100   101   102   103