Page 99 - ميريت الثقافية رقم (28)- أبريل 2021
P. 99

‫‪97‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫قصــة‬

   ‫الرابعة‪ ،‬ويحدث نفس الشيء‪ ،‬بعدها خبأت قطعة‬        ‫من الحمص والفول المقشر‪ ،‬وقامت بعد أن أخفت‬
   ‫الصبار في شق الجدار‪ ،‬خو ًفا من أن يلتقطها‪ ،‬ثم‬    ‫فردة ثديها‪ ،‬وتركته يصارع من أجل نسيان المرارة‬
‫تسللت إلى جوف الدار‪ ،‬وضعت الطست على الكانون‬         ‫والتعامل مع الطبق الذي وجب عليه أن يمد يده إلى‬
‫وأوقدت النار تحته‪ ،‬وصغيرها بقي في مكانه والفأر‬                                  ‫ما فيه من طعام‪.‬‬
    ‫فوقه يرى والده وهو يخرج من الخزانة مرتد ًيا‬     ‫المسافة بينه وبين المشنة سمحت له بالنظر إلى‬
                                                    ‫الفأر الذي كان يظهر له من وقت لآخر‪ ،‬ومن هناك‬
      ‫اللباس والفانلة والعرق يغسل جسده‪ ،‬وبقايا‬      ‫كانت تنبعث أصوات القرض‪ ،‬لم تصل لأمه لأنها‬
‫سيجارة مشتعلة بين شفتيه‪ ،‬ظهر عليه التوتر وهو‬        ‫كانت مشغولة بالألم الذي بدأ يأكل صدرها بسبب‬
‫يستعجل الماء ليهرب إلى المقهى‪ ،‬وجلس بالقرب منه‪،‬‬     ‫ما يختزنه من حليب‪ ،‬وأصبحت لا تستقر في مكان‬
                                                    ‫واحد أكثر من خمس دقائق‪ ،‬ولما وجدته لا يقبل على‬
    ‫عانق الحمص والفول المتناثر على الأرض‪ ،‬وكتم‬      ‫ما قدمته له‪ ،‬أخرجت فردة الثدي الثانية‪ ،‬فتناولها‬
    ‫غضبه وهو ينظر إليه‪ ،‬وبينما الفأر يخبئ رأسه‬      ‫بلهفة‪ ،‬حلَّت مرارة الصبار مرة أخرى في فمه‪ ،‬وأخذ‬
  ‫صدرت عنه خربشة‪ ،‬فراح والده يبحث عن المكان‬         ‫يبكي‪ ،‬ونفث عن غضبه بأن أطاح بالطبق فتناثر ما‬
  ‫الذي جاء منه الصوت في محيط جلسته‪ ،‬ولما فشل‬        ‫فيه‪ ،‬بينما الفأر ما زال يعبث في المشنة‪.‬‬
‫في الوصول إلى مصدره‪ ،‬حول همه إلى زوجته وراح‬         ‫قصت أمه على والده ما حدث‪ ،‬تنهد‪ ،‬وعاتبها‪،‬‬
     ‫يستعجلها‪ ،‬فما كان منها إلا أن جاءت بالطشت‬      ‫سرعان ما همست في أذنه بكلمات‪ ،‬وقامت‪ ،‬غسلت‬
   ‫ووضعته تحت المشنة‪ ،‬ومر خاطر في رأسه جعله‬         ‫ثديها جي ًدا‪ ،‬ونزعت الجلباب‪ ،‬تعانقت الشفاه الكبيرة‬
 ‫يسأل نفسه‪ :‬أيصح أن اغتسل أمام الصغير؟ قالت‬         ‫بحلمتها‪ ،‬وقرب الانتهاء اكتسى وجهها بالراحة‪،‬‬
   ‫زوجته لما صارحها بما يدور بداخله بأنهما دائ ًما‬     ‫بحمرة غريبة‪ ،‬وغابا عن‬    ‫ُلكي ِسظ َلي‬  ‫ووجه زوجها‬
 ‫يقومان بالاستحمام أمامه‪ ،‬وأحيا ًنا يأخذانه معهما‬   ‫مع محتويات الطبق المتناثرة‬                ‫الصغير قلي ًل‪،‬‬
                                                    ‫على الأرض والفأر الذي كان يتابع كل شيء من‬
                                     ‫في الطشت!‬      ‫مكانه‪ ،‬ابتسم للفأر وصوت الأنين يصله من‬
     ‫حملته أمه إلى مكان قريب من الجدار‪ ،‬فاشتعل‬      ‫الخزانة التي احتوت الجسدين‪ ،‬فمد يده وبد ًل من‬
  ‫غضبه‪ ،‬وظهر الفأر‪ ،‬رمى له بنظرة فبادله بمثلها‪،‬‬     ‫تناول حبات الحمص والفول تناول تراب الأرض‬
   ‫وتغلبت يد أمه على ظهر والده‪ ،‬وبينما اللوفة تمر‬   ‫ووضعه في فمه‪ .‬وهو مستمتع بمذاق ما يصله!‬
 ‫عليه ورغاوي الصابون تنسال لتستقر في الطشت‪،‬‬         ‫خرجت أمه من الخزانة وهي تسدل جلبابها على‬
‫كان الفأر يراقب كل شيء بتحفز من يبحث عن ثأر‬         ‫جسدها‪ ،‬تفقدته بعينيها‪ ،‬وجدته قد التهم الكثير‬
   ‫قديم‪ ،‬وحينما أقدم على فعلته لم يفكر في الأبواب‬   ‫من التراب‪ ،‬فتغافلت عن نداء زوجها الذي راح‬
                                                    ‫يطلب الماء‪ ،‬وبأناملها أمسكت فمه‪ ،‬غيرت من شكله‪،‬‬
                                         ‫المغلقة‪.‬‬   ‫وجدت مسا ًرا من الطين في حلقه‪ ،‬تغافلت عن وضع‬
      ‫اتخذ الفار قراره في اللحظة التي انتصب فيها‬        ‫طست الماء على الكانون‪ ،‬وأمسكت يده الصغيرة‬
  ‫الجسد وسط الطشت‪ ،‬وأصبح يتلقى الماء النظيف‬         ‫وراحت تضرب ظاهرها بكفة يدها وهي تقول له‪:‬‬
‫بواسطة كوز تمسك به زوجته التي أهملت كل شيء‬            ‫كخ‪ ،‬رددتها كثي ًرا‪ ،‬كان ثديها في مرمى شفتيه‪،‬‬
   ‫وأصبحت لا تدرك إلا ما تراه بعينيها‪ ،‬مسحورة‬       ‫يظهر من طوق القميص‪ ،‬فتلمظت شفتاه‪ ،‬ووجدت‬
‫بوقت عاشته‪ ،‬ولا تملك الانتصار على لحظة أحاطت‬        ‫في نفسها حاجة لأن تبتعد خو ًفا من تشبثه بها‪،‬‬
                                                    ‫فهربت ثانية إلى قطعة الصبار‪ ،‬ضمخت الحلمتين‬
                          ‫بها ونقلتها إلى شغفها‪.‬‬    ‫بعصيرها‪ ،‬ثم عادت ومعها خرقة مبللة بالماء وبدأت‬
  ‫شد الفأر إلى الصغير‪ ،‬وقفز من المشنة على الجسد‬     ‫تنظف لطخ الطين العالقة بوجه صغيرها وملابسه‪.‬‬
‫المنتصب في منتصف الطشت‪ ،‬فانتفض وملكه الرعب‬          ‫قربها منه‪ ،‬سمح لثديها العالق في عينيه أن يدفعه‬
‫وصرخت زوجته صرخة قوية‪ ،‬وصلت إلى الجيران‪،‬‬            ‫إليها‪ ،‬فقربت وجهه منه‪ ،‬وكانت لحظة ثالثة أدت به‬
                                                    ‫إلى أن يصرخ‪ ،‬وكان أكثر إصرا ًرا جعلته يعود للمرة‬
      ‫وكان الفأر قد استقر في ماء الطشت‪ ،‬وبدأ في‬
‫المناوشة من أجل الهروب‪ ،‬نجح الزوج من القفز من‬
 ‫الطشت‪ ،‬وأمسك بالعصا‪ ،‬وأخذ يضرب الماء والفأر‬
‫يراوغ وزوجته تضحك‪ ،‬وصغيرهما صامت يشاهد‬

      ‫ما يدور ونظره على جسد والده العاري‪ .‬وأمه‬
                           ‫تشجعه بقولها‪ :‬اقتله‪.‬‬
   94   95   96   97   98   99   100   101   102   103   104