Page 103 - ميريت الثقافية رقم (28)- أبريل 2021
P. 103

‫‪101‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

     ‫قصــة‬

‫ولم تنعم بنوم مريح‪ .‬تشعر من طول الوحدة وعدم‬       ‫تلك اللحظات‪ .‬تعانى آلام التعافي والنسيان‪ .‬تفكر في‬
   ‫التلاقي بأنك منبوذ من عالمهن‪ ،‬وإنما كتب عليك‬   ‫إعادة الصلة المقطوعة مع الوسائد القديمة والعابرة‬
   ‫فقط أن تراها وهي تحاوطك بكثرة على سريرك‬         ‫اللاتي مرت بحياتك على الرغم من إدراكك بأنها لا‬
      ‫منذ أن كنت صغي ًرا ودون أن تحظى بواحدة‬       ‫تناسبك‪ ،‬تبحث عن تلك الوسائد التي ظهرت وأنت‬
                                                   ‫في عمق علاقتك بالوسادة «المدملكة»‪ ،‬فلم تعثر على‬
 ‫تريحك طول العمر‪ .‬الاحتياج مر‪ .‬وبعض الوسطاء‬
  ‫يمتنعون‪ .‬وأمك كثفت بحثها داخل أفراح الجيران‬       ‫أي منهن‪ .‬الوسائد التي تعجبك لا تظهر إلا حينما‬
   ‫عن وسادة ذات قطن أصيل‪ .‬سألت جارة خبيرة‬            ‫لا تكون خاليًا‪ .‬تبحث في ظلمتك عن زر تضغطه‬
                                                    ‫فتمحى الآثار السيئة للعلاقات المنتهية‪ .‬تتمنى لو‬
    ‫بفن الوسائد‪ ،‬توفق الوسائد مع المحتاجين لها‪.‬‬        ‫تخرج من ظلام الليل إلى المنطقة الرمادية‪ ،‬تلك‬
    ‫قالت حين علمت بأمرك إنها لن تهدأ حتى تجد‬         ‫المنطقة التي يتبعها الخروج للنهار‪ ،‬وهذا أقصى‬
   ‫وسادة تشبهك‪ .‬التقطت لك واحدة‪ ،‬كانت ترتدي‬          ‫طموحاتك‪ .‬تحاول «المدملكة» إعادتك مرة أخرى‬
 ‫فستا ًنا أحمر فأعجبتك‪ ،‬على الرغم من أنك لم تحب‬      ‫لعمق العلاقة دون التنازل عن متطلباتها التي لم‬
‫تلك الطريقة إلا أنك ذهبت لتراها من الزن والزهق‪.‬‬     ‫تستطع تحملها‪ .‬تأكدت بأنها لا تحبك‪ ،‬وأنها تريد‬
‫في نفس الوقت الذي دفعك فيه زميل العمل اليائس‬       ‫إغراقك في الظلمة‪ .‬في عودتها إثارة للذاكرة وحزن‬
 ‫للتقرب من البيضاء‪ .‬تقربت إليها‪ ،‬وتحادثت معها‪،‬‬      ‫على اللحظات الجميلة والكلام المثير‪ ،‬وفي إجحاف‬
     ‫ولكنك لم تعرف لماذا رشحتها ‪-‬ومن دون أن‬
 ‫تعرفها عن قرب‪ -‬لصديقك الذي يبحث عن واحدة‬              ‫شروطها العجز والضيق‪ ،‬وفي إحساسك بعدم‬
                                                       ‫مناسبتها لك بالصفاء الذي يزول حين يقتحم‬
      ‫تصلح له‪ .‬تحادثا على الإنترنت‪ ،‬بينما تقربت‬     ‫سلامك المؤقت حالة من التخبط‪ .‬اكتفيت بها كحد‬
     ‫من تلك التي أعجبتك‪ .‬كانت مزي ًجا ما بين كل‬    ‫فاصل بينك وبين الجدار مع تلك الوسائد القديمة‪.‬‬
‫المواصفات التي تخيلتها وأنت وحدك‪ ،‬وكانت بعيدة‬         ‫أحسست بمرارة الوحدة فلم تجد من يشاطرك‬
  ‫عن كل الأشياء التي وجدتها بالأخريات وأرقتك‪،‬‬          ‫أيام التقلبات النفسية والنحال الجسدي سوى‬
   ‫هكذا كنت تعتقد‪ .‬على الرغم من نعومتها‪ ،‬إلا أنك‬      ‫أمك‪ ،‬وزميل العمل اليائس الذي كان أكثر خبرة‬
    ‫كنت تتذكر سخونة جسد «المدملكة»‪ ،‬وصدرها‬           ‫وبصيرة منك‪ .‬لم يمل ‪-‬رغم بؤسه‪ -‬في استمالة‬
    ‫الذى لم تجد له مثي ًل‪ ،‬وحديثك الجنسي معها‪.‬‬        ‫قلبك تجاه تلك البيضاء‪ .‬الناس يرون ما لا تراه‬
    ‫أحسست معها بأنك في المنطقة الآمنة‪ ،‬الوسادة‬       ‫وأنت بعمق علاقتك‪ .‬على الرغم من اقتناعك بذلك‬
   ‫طوعك في كل شيء‪ ،‬حتى إذا قررت وضعها بين‬              ‫إلا إن قلبك مغلق وعقلك يرفض البيضاء دون‬
  ‫ساقيك فلن تمانع‪ ،‬لا يوجد ما يقلقك‪ .‬لكن الخلود‬       ‫فرصة للتفكير‪ .‬قررت الاعتزال والعيش لنفسك‬
‫لم يدم إلا حين أدركت أن الذي يطيعك طاعة عمياء‬        ‫وأنت لم تبلغ الثلاثين بعد‪ .‬ولم تعرف ‪-‬إلا حين‬
     ‫يطيع غيرك ويصبح أسي ًرا له‪ .‬أصبحت فجأة‬          ‫طرقت باب التجربة‪ -‬أن النوم بلا وسائد لفترة‬
    ‫تسير عكس إرادتك‪ ،‬وكأن قوة أخرى قد عبثت‬          ‫طويلة يسبب الألم‪ ،‬وأن المرتبة ليس لها معنى بلا‬
  ‫بزر تحكمها‪ ،‬وسير حياتكما‪ .‬أدركت أنها وسادة‬         ‫وسائد ولا تكفى وحدها‪ .‬جسدك يتلوى‪ ،‬وعقلك‬
 ‫ذات عمر افتراضي قصير‪ ،‬صنعت للاستفادة من‬           ‫يرسم لك في ليالى الأرق والألم مواصفات الوسادة‬
‫غارق الإعجاب بها‪ .‬وسادة للعرض فقط‪ .‬تستنزف‬          ‫المناسبة لك بنا ًء على تجاربك السابقة‪ .‬لم تعد تهتم‬
   ‫الأموال والمشاعر الصادقة واللحظات الحلوة ثم‬    ‫بالجمال‪ .‬كلما كبرت تشعر وكأنك تتنازل عن بعض‬
 ‫يتحول حشوها اللين المزيف إلى مادة صلبة تقسم‬           ‫مواصفاتك ويتحول كل شيء إلى نسبى‪ .‬تفتح‬
  ‫عضلات الظهر والرقبة‪ .‬تحولت أحلامك معها إلى‬        ‫قلبك تلقائيًّا‪ ،‬تتقرب ولا تقرر من بعيد‪ ،‬تقتحمهن‬
 ‫كوابيس‪ .‬أخبرتها في يوم ما ‪-‬بعد أحد الكوابيس‪-‬‬       ‫ولا تنتظر أن يقتحموك‪ .‬فتظهر الوسائد من حيث‬
‫بأنها ستغادر العلاقة فجأة‪ ،‬بكت وقبلت يدك بعدما‬         ‫لا تدرى ليكتظ بها سريرك‪ ،‬تجربها وتجربك‪،‬‬
  ‫طالبتك الا تقول ذلك مرة أخرى‪ .‬في كابوس آخر‬       ‫فتكتشف مدى ملاءمتها لك من عدمه‪ .‬تمر السنين‬
   ‫شعرت أنها تسحب منك بينما تجاهد في التمسك‬
   98   99   100   101   102   103   104   105   106   107   108