Page 257 - ميريت الثقافية رقم (28)- أبريل 2021
P. 257

‫‪255‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫رأى‬

    ‫بخلاف الحيوان الذى لا يعرف‬            ‫الخروج إلى هامش الشعور هو‬              ‫الضمني ‪Implicit contract‬‬
    ‫مكا ًنا ولا زما ًنا خارج خطواته‬      ‫المستهدف من القراءة عند كتاب‬         ‫بين الكاتب والقارئ طرفي عملية‬

                      ‫المحدودة‪.‬‬            ‫الموجة الجديدة‪ .‬فالقارئ ليس‬                             ‫الاتصال‪.‬‬
 ‫والواقع أن كتابات محمود عوض‬          ‫مربو ًطا بالحبل السري مع الكاتب‪،‬‬          ‫ومن المسلم به أن القارئ‪ ،‬يجد‬
                                      ‫ويجره ج ًّرا‪ ..‬بل هو متروك لحاله‪..‬‬
       ‫عبد العال تسير على مذهب‬        ‫إنها كتابة ديموقراطية ج ًّدا‪ ،‬الكاتب‬        ‫نو ًعا من المتعة فى سبر غور‬
‫كروتشه فى الاعتماد على البصيرة‪،‬‬       ‫حر والقارئ حر‪ ..‬ومتعتها اللغوية‬         ‫قصص محمود عوض عبد العال‬

     ‫فهو يتعرض للطبقات المحيطة‬          ‫فائقة الجمال فى تركيب الصفات‬             ‫التى لا تبوح بمكنونها بشكل‬
   ‫اجتماعيًّا‪ ،‬ويحولها من وجودها‬            ‫التى تتقدم أو تتأخر‪ ..‬وربما‬        ‫تقليدي‪ ،‬ذلك الشكل الذى تسرع‬
                                                                               ‫فيه دقات قلب القارئ عند نقطة‬
      ‫المتدني المفروض عليها زمنيًّا‬     ‫كان للصفة اللصيقة بالشخصية‬              ‫قمة الإثارة ‪ climax‬إنما تجعل‬
  ‫ومكانيًّا‪ ،‬إلى روح صافية‪ ،‬يتعامل‬       ‫امتداد فنى يستدعي بها صفات‬            ‫القارئ يلهث طوال الوقت‪ ،‬وهو‬
   ‫معها القارئ باطنيًّا وخارجيًّا فى‬    ‫أخرى فيما يشبه الصف الهرمي‬              ‫يقرأ جم ًل قصيرة متقطعة مثل‬
 ‫وقت واحد‪ ،‬وهو يغنينا عن تكرار‬          ‫العنقودي‪ ،‬وما يهمنا فى القراءة‪..‬‬     ‫زخات المطر‪ ،‬فيعمد القارئ بشكل‬
                                                                             ‫تلقائي إلى ملء تلك الفراغات ‪Gap‬‬
     ‫الصورة أو الحدث أو الموقف‬             ‫هو ترتيب أحداث القصة عند‬
      ‫‪-‬بجمله المركزة‪ -‬فى مقاومة‬           ‫قراءتها‪ ،‬وقد لا يتوافق ترتيبها‬         ‫‪ filling‬التى يضعها القاص فى‬
   ‫الأحداث العصيبة وقبوله إيجاد‬           ‫فى السرد القصصي مع ترتيب‬            ‫طريقه‪ ،‬ويجره ج ًّرا إلى تداعيات‪،‬‬
     ‫صدمات تركيبية من الصور‪،‬‬           ‫القارئ‪ ،‬وحتى اختلاف الكتابة من‬       ‫وتداعيات للتداعيات‪ ،‬ثم لا يلبث أن‬
  ‫تحدث فى المتلقي نو ًعا من اليقظة‬       ‫كاتب إلى آخر من هذه الزاوية‪..‬‬       ‫يجتذبه دون إنذار إلى ما قبل سيل‬
‫طم ًعا فى استمرار تفاعله مع النص‪،‬‬      ‫فالشجرة ليست شجرة كاملة ولا‬
     ‫وهو يلجأ فى أحيان كثيرة من‬        ‫يظهر منها سوى جزء صغير يدل‬                                 ‫التداعيات‪.‬‬
   ‫رواياته أو قصصه القصيرة إلى‬            ‫عليها‪ ،‬مما يجعل هذه الكتابة‪..‬‬          ‫غريب ح ًّقا أن قصص محمود‬
   ‫المشاهد المسرحية الكاملة داخل‬         ‫تطلب نوعية من القراء‪ ..‬القارئ‬      ‫عوض عبد العال تجعلنا نتلذذ بقدر‬
    ‫النص القصصي‪ ،‬يعطيها مذا ًقا‬         ‫الصبور الذى يجد متعته فى خلق‬           ‫من تعذيب الذات ‪،Masochism‬‬
    ‫ملحميًّا لإمكان تجاوز الارهاق‬                                               ‫إذ إن الاسترسال فى التداعيات‬
   ‫الذى ربما صادف قارئ النص‪،‬‬                       ‫قراءة تطابق الكتابة‪.‬‬     ‫تبعدنا عن الخط القصصي‪ ،‬ولكنها‬
    ‫ويمكنه من استقبال الإحساس‬             ‫ولعل أبرز مشكلات قراءة هذه‬           ‫تجعل العودة إليه ممتعة‪ ،‬ينسى‬
 ‫الجديد والغرس اللغوى المتجدد فى‬         ‫النصوص‪ ..‬أن عنصرى الزمان‬              ‫معها القارئ ما كابده من عناء‪..‬‬
                                      ‫والمكان مبعثرين ومحليين على ذهن‬         ‫ولكي لا يمعن القارئ فى الشطط‪،‬‬
                      ‫كل سطر‪.‬‬         ‫القارئ‪ ،‬الذى يتأرجح بين جزء من‬        ‫ولكى يتمعن إحساسه بمتعة اللهاث‬
    ‫كم هو فن صعب وطريق شاق‬              ‫البيئة الفيزيقية التى نتوحد فيها‬    ‫خلف القاص‪ ،‬تأتى الجمل فى أوزان‬
   ‫الذي يعانيه كاتب‪ ،‬يجد سعادته‬         ‫جمي ًعا‪ ،‬وبين البنية النفسية‪ ،‬وقد‬      ‫شعرية موسيقية‪ ،‬تجعله وكأنه‬
  ‫فى السباحة ضد المألوف‪ ،‬ليحرك‬         ‫نتوحد فى الواقعية الفعلية كلنا فى‬      ‫يجلس فى أرجوحة بساحة منزله‬
    ‫كل هذه الشخصيات فى أعماله‬            ‫الواقع النفسي نحلم‪ ..‬وأحلامنا‬        ‫ويشاهد الأطفال يلعبون «عسكر‬
‫المثيرة فى براعة‪ ،‬ويرصد تصرفاتها‬           ‫تختلف‪ ،‬كيف أخرج من نطاق‬            ‫وحرامية»‪ ،‬دينيه الأرجوحة منهم‬
    ‫وسلوكها فى علاقات متشابكة‬              ‫الزمان والمكان؟ والإنسان هو‬        ‫ثم لا تلبث أن تبعده عنهم‪ ..‬بينما‬
   ‫من خلال أحداث وأماكن مفككة‬          ‫الكائن الوحيد القادر على الخروج‬       ‫تدغدغ مسامعه الموسيقي الهادئة‪.‬‬
 ‫زمنيًّا‪ ..‬لكن يربطها خط وهمي من‬      ‫من حدود الزمان والمكان‪ ..‬يستطيع‬       ‫وعندما يواجهنا النص التقليدي عند‬
    ‫أول القمة إلى نهاية القاع‪ ،‬ومن‬        ‫أن يسترجع زمنًا ماضيًا‪ ،‬وأن‬        ‫معظم كتاب الرومانسية والواقعية‬
   ‫ثم يتصور للإنسان قدرات غير‬         ‫يفكر فى المستقبل‪ ،‬وهو بذلك يخرج‬          ‫الاجتماعية لأجيال متعاقبة‪ ..‬فى‬
 ‫محدودة تؤهله للهتاف بالانتصار‬           ‫من نطاق الزمان والمكان الآتي‪..‬‬      ‫بؤرة الشعور للبطل والحدث‪ ،‬فإن‬

             ‫على الباطن والظاهر‬
   252   253   254   255   256   257   258   259   260   261   262