Page 267 - ميريت الثقافية رقم (28)- أبريل 2021
P. 267
تجلت في الجدارية التجاوزات العدوانية المبنية فوق النهر ،والجسور التي
والفساد الذي هدفه تخريب الموصل تربط الجانب الأيسر بالجانب
الأيمن من مدينة الموصل؟! تلك
بحجة تحريرها من داعش ،فكان تخري ًبا
وليس تحريًرا ،فهل التحرير برؤية أمريكا الجسور التي يجري تحتها نهر
وحلفائها هو هدم البنى التحتية للمدينة دجلة الخالد ،الموصل التي كتب
وعدم الإبقاء على جسر ولا كنيسة ولا عنها الشاعر العراقي سعدي
مستشفى ولا روضة أطفال ولا دار عبادة يوسف المدينة المبنية بالحجر
إسلامية أو مسيحية ولا دار أيتام ولا متنزه والمحصنة بالتراث .ما الغاية من
قصف الجسور؟ هل الغاية هي
ولا شجرة في غابات الموصل الكثيفة الحث على تمزيق الموحد ونسف
بخصب تاريخ ّي طويل؟ لحمة الشعب الواحد والعمل
بخبث وعداء وشرانية على إثارة
فكم من جرح وكم من لوعة أثقلت ومرقد الإمام يحيى أبو القاسم الخلاف والصدام وقطع الأرحام
قلب الفنان ومحبي الجمال وهم وجامع الإمام الباهر وجامع وإفساد السلام وإثارة الهلع وقتل
يرون الرموز الكبرى في الموصل الماضي وتغييب الهوية وكسر ما
تهتك وتدمر. الخضر التاريخي الذي يقع على ينقل الأجيال إلى النور والمعرفة
إن الفنان يحكي لنا ملحمة ضفاف نهر دجلة الذي يعود إلى والتحام الناس؟ تلك هي غايتها،
المجازر التي دربت أمريكا القرن التاسع الهجري ،ومرقد ابن أن تخلق التفرقة وتشعل الطائفية
وحلفاؤها الدواعش عليها من الأثير الجزري المؤرخ الإسلامي وتلغي تاريخ الحضارات العريقة.
أجل أن تمارس هذه الوحشية في يعتبر الفيلسوف الألماني مارتن
حق التاريخ العربي والمجتمعات الكبير الذي أقام بالموصل بعد هيدجر أن جوهر الفن يكمن في
والأديان ،تبثه الجدارية بشكل رحلاته ومات ودفن فيها وهو الحقيقة تزج نفسها بالعمل الفني.
ركام هائل من مقاعد الدراسة قبر أثري وسط الشارع في باب ليست هذه الجدارية إلا توثيقا
وأقلام الكتابة والرسم والمعاجم سنجار وهو أحد أبواب مدينة من الفنان موفق أحمد للجريمة
وتكوم الكتب بكثافة .رسمت الموصل التاريخية الثلاثة عشر والمكيدة إذ ترصد عدسته صراخ
ريشة الفنان العصف الهمجي با ًبا ،ودمرت داعش تمثال الملا الأطفال وأنين الشيوخ وهم
باللونين الأسود والرمادي عثمان الموصلي الشاعر والعالم يبدون بحالة من الإعياء ُتعبرعن
بشكل دخان كثيف فتراكمت بفنون الموسيقى ،وأهانت الثقافة همجية العدوان في العصر الحديث
هموم الفنان بالألوان المشتعلة العربية بتدمير تمثال هذه القامة الذي توارت فيه الدول العربية
التي عبّرت عن الحقد الأ مريكي
المغولي والتصحر الروحي الكامن العربية الفذة ،ودمرت تمثال وتخفت واستترت .شبابيك
في جوهر أمريكا التي قطعت الشاعر العباسي أبي تمام وهو الضياء التي تدخل منها شمس
الصباح في الجانب الأيمن القديم
رمز من رموز التراث الأدبي والأيسر من الموصل تحطمت
العربي في الموصل ،فيلسوف بمعارك حربية دامية دارت على
ومؤرخ من القرن الثاني عشر. أرض الأنبياء ،وحرضت أمريكا
داعش على تدمير المساجد الأثرية
القديمة والأضرحة والمراقد منها
جامع النبي يونس ،وجامع النبي
شيت ،وجامع النبي جرجيس