Page 269 - ميريت الثقافية رقم (28)- أبريل 2021
P. 269
267 ثقافات وفنون
فن تشكيلي
السلوك من خلال نصب الحرية المقززة والحروب والمجازر حقد أمريكا وغيظها والدمار الذي
للفنان العراقي جواد سليم الذي والمعاناة والكوارث والنزوح رتبت له بخلق داعش في المنطقة
والهجرة ،فتشابكت الألوان العربية وعززت قوته حتى أظلم
أبرزه الفنان شام ًخا يسبح في الأصفر والأحمر والبرتقالي النهار.
فضاء الجدارية كصورة مجازية رم ًزا لتكاتف قوى الشر والحقد يسخرالفنان من أمريكا صاحبة
في أسوأ صورة ،أما تدرجات المراصد والأقمار الصناعية،
تعبر عن الاعتراض والرفض البنفسجي والشذري والخمري والمنادية بالديمقراطية والحرية
والمقاومة والاستنكار لسوء والصحراوي والرمادي فقد وهي دولة ه ّدامة فبلور عفونتها
أمريكا وحلفائها ،واحتجاج الفنان عبّرت عن الفوضى والضجيج وقناعها الزائف.
والعالم على الحروب وسفك الدم والارتباك النفسي وتشابك
عناصر الألم واللا استقرار سيميائية الألوان في
الإنساني البريء. والمصائب التي تدفع الإنسان إلى الجدارية
جدارية «التهجير» وثيقة السير بين سحب الدخان والرماد
تاريخية تجسد أهوال الحروب نحو المجهول ،فأصبحت الألوان تجلت الألوان بحضورها الفلسفي
وكوارثها كما جس َد الفنان الدافئة ألوا ًنا ترمز إلى خيبات الذي يسبح ما بين الحياة والموت
الإسباني فرانسيسكو جويا في متسربله بالأسى ،وإلى تدنيس
لوحة «العملاق» أهوال الحروب كل ما هو غا ٍل ونفيس ،أما اللون والحرب والسلام ،وما بين هذا
ومقاومة الشعب الإسباني الأخضر فقد حضر في الجدارية الاستفهام الذي يبثه الفنان
للاحتلال الفرنسي في عام .1808 بصورة تشظيات شاحبة يرمز
إنها ملحمة وثورة ضد الاحتلال إلى غياب كل بواعث الحياة والأمل صو ًتا جمعيًّا وقل ًقا إنسانيًّا لا
والاغتصاب والتهجير القسري يداويه إلا الانغماس في عالم
لأهل الموصل الذين ما زالوا تحت بتجددها الصيروري. الفن ،فحضرت غصة الفنان في
السماء ح ًّرا وبر ًدا ،ف َّجرها الفنان يبكي الفنان ضياع البنى الألوان التي انقلبت من ألوان
موفق أحمد شرارات من الغضب الأسطورية والحضارية تثير البهجة والإحساس بالدفء
ضد الظلم .إنها الزلزلة المصحوبة والاجتماعية التي تصوغ الجمال والهدوء النفسي إلى ألوان خوف
بالدم والنار ،لكنها كارثة سيعقبها والبهجة ،فارتبطت الألوان وعذاب ،فاللون الأصفر حضر
فجر جديد من خلال الفضاء بالشجن وتجلت الجدارية بصوت رم ًزا للأسى والجوع والموت
السماوي الأزرق الفاتح إذ يعلو ضجيج شديد وموت وأفول وفقدان الطمأنينة والكوارث
الضياء في خلفية اللوحة بالرغم وزوال فاختفى ضوء الفرح وسط والنكبات والغربة ،وذهب أبعد
من التشظيات الروحية التي لا النار واللهيب ،وتجلت شعرية من ذلك ليبرهن على حمق وبلاهة
تقل ألمًا عن شظايا المتفجرات، الألوان بانصهار المتلقي بالألم وجنون قوى الشر ،ومن خلال
تدعو إلى تحطيم الفساد الدولي، على المستوى النفسي والإنساني، اللون الأحمر يأخذنا الفنان إلى
وإلى حضارة مستقبلية تعلو لكن بالرغم من ذلك لا نلمس في مشاعر الغضب التي تجتاح
بالحب والسلام والإبداع ،بما في الجدارية للفنان رؤية تشاؤمية روحه وإلى الخيانة بعد أن
الجدارية من مضامين ميتافيزيقية أو عدمية لأنه خلق توه ًجا ساط ًعا خلخلت الحضارة المادية كل النظم
تكمن وراء ما تخفيه الأنقاض من يسبح ما بين الألم والأمل بالرغم الاجتماعية والقيم الأخلاقية،
ضحايا بشرية ونفائس تاريخية من كل المآسي التي مر بها العراق وتجذبنا الجدارية إلى مراحل من
في تاريخه القديم والحديث. القرون الوسطى في أوربا التي
يعلو صوت الفن وصوت الحرية جسد سماتها الشاعر الفرنسي
على صوت الحرب وعشوائية رامبو في قصيدته نهر كاسيوس
La rivière de Cassisبالأسرار