Page 281 - ميريت الثقافية رقم (28)- أبريل 2021
P. 281

‫‪279‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫كتب‬

     ‫الذي ينظر إلى حياة الأرامل‪،‬‬        ‫الأدبي علاقة حماية‪ ،‬والعنوان‬           ‫للتعبير عن المعنى‪ ،‬وجز ًءا مه ًّما‬
   ‫إذ يقف موق ًفا محي ًرا تجاه تلك‬     ‫كالاسم للشيء‪ ،‬وضرورة مهمة‬                ‫في بناء النص‪ ،‬حتى ُعدت هذه‬
    ‫النسوة بعدما خلفته الحروب‬                                                ‫الديباجة وسيلة في غاية الأهمية‪،‬‬
    ‫الطاحنة من قتل ودمار‪ ،‬فتلك‬           ‫في السياق الكتابي‪ ،‬فلا بد من‬
    ‫النسوة لن يتعرضن إلى موت‬          ‫توافر اسم‪ ،‬وإن وجد عمل بدون‬                 ‫وقد أشار أصحاب المؤلفات‬
                                       ‫عنوان فلا بد من توافر علامات‬             ‫إلى هذه الجزئية المهمة وسبب‬
      ‫أزوجهن فحسب‪ ،‬بل خراب‬             ‫تدل على ذلك العنوان المحذوف‪،‬‬          ‫التسمية‪ ،‬ومنهم‪ :‬الكلاعي إذ قال‪:‬‬
 ‫بلدهن‪ ،‬وفي نهاية مطافهن يجد َن‬                                             ‫«العنوان الدال على شيء حتى قيل‬
 ‫أنفسهن بلا موطن (خراب البلد‪،‬‬                 ‫وتقوم عو ًضا عنه(‪.)12‬‬            ‫عنوان وعلوان والجمع عناوين‬

    ‫قتل الزوج)‪ ،‬فالنساء ينتظرن‬        ‫عنوان الديوان ودلالته‬                                  ‫وعلاوين»(‪.)5‬‬
   ‫مبعثهن الأخير كما ينتظر أبناء‬                                                ‫وكذلك الصولي الذي أشار إلى‬
‫الأمة جمعاء ذلك المصير المشؤؤم‪.‬‬          ‫بنى حسن النصار ديوانه على‬          ‫معنى العنوان فقال‪( :‬العلامة)(‪،)6‬‬
 ‫الإهداء‪ :‬إحدى العتبات الخارجية‬          ‫ألفا ٍظ غير محسوسة‪ ،‬واختار‬          ‫وقال قوم‪ :‬إن العنوان مشتق من‬
                                         ‫هاتين اللفظتين دون غيرهما‪،‬‬            ‫العناية بالأمر‪ ،‬لأن الكتب كانت‬
        ‫إلى جانب صفحة الغلاف‬            ‫فنلاحظ أن تشبيه الشاعر كان‬              ‫لا تطبع قدي ًما‪ ،‬وعندما طبعت‬
     ‫والعنوان‪ ،‬ودلالة هذه العتبة‬       ‫بلي ًغا ج ًّدا‪ ،‬إذ ربط حياة الأرامل‬      ‫وأصبحت معنونة‪ ،‬أخذ القائل‬
‫مقترنة بالعتبات الأخرى‪ ،‬والإهداء‬      ‫بعد موت ازواجهن بيوم القيامة‪،‬‬           ‫يقول‪ :‬من ُعني بها‪ ،‬أي من اهتم‬
     ‫تقليد عريق ُعرف من ُذ القدم‪،‬‬    ‫فالأرملة تتجرد من أبسط حقوقها‬              ‫بها وجعلها بهذه الشاكلة(‪،)7‬‬
   ‫وأول من ابتدعه أرسطو‪ ،‬ومن‬            ‫بعد موت معينها وتعيش حياة‬
  ‫ثم اتخذه الكثير من بعده منه ًجا‬       ‫البؤس والدمار‪ ،‬حياة بلا أمل‪،‬‬               ‫والعنوان‪ :‬الأثر(‪ ،)8‬واتخ َذ‬
‫متب ًعا حتى هذه اللحظة‪ ،‬لكن هناك‬      ‫وتشبيه الشاعر جاء بلي ًغا إذ ربط‬          ‫أصحاب المؤلفات قول الشاعر‬
‫ثمة فرق بين الإهداء عند الأقدمين‬      ‫يوم القيامة بالموت بالمرأة الأرملة‬      ‫حسان بن ثابت‪ ،‬في رثاء عثمان‬
   ‫و ُكتاب العصر الحالي‪ ،‬ألا وهو‬          ‫التي يموت زوجها‪ ،‬فالقاسم‬           ‫بن عفان (رضي الله عنه) ذريعة‬
 ‫الموضع‪ ،‬فالقدماء كانت إهداءاتهم‬     ‫المشترك بين اللفظتين هو (الموت)‪،‬‬
‫تتمركز في النص ذاته‪ ،‬أما إهداءات‬        ‫ووثق الشاعر ارتباط المفردتين‬                       ‫لهذه التسمية(‪:)9‬‬
   ‫العصر الحالي فتكون مفصولة‬             ‫عندما جعلهما بصيغة المؤنث‪.‬‬                                 ‫البسيط‬
   ‫عن النص ومستقرة في المحيط‬          ‫القيامة والأرملة تلتقيان في دلالة‬
                                      ‫الموت‪ ،‬وتفترق في صفات أخرى‪،‬‬                  ‫َض ْحوا بأ َش ْمط(‪ )10‬عنوا ُن‬
                 ‫الخارجي(‪.)13‬‬         ‫فيوم القيامة يكون محتو ًما وعلى‬                            ‫السجو ِد به‬
                                        ‫الجميع‪ ،‬أما الأرملة فقدر الموت‬
    ‫الإهداء ودلالته في‬                   ‫يصيب زوجها فقط‪ ،‬فالأرملة‬                  ‫ُيقطع اللي ُل تسبي ًحا وق ْرآنا‬
        ‫الديوان‪:‬‬                         ‫جزئية مهمة من لفظة القيامة‪،‬‬               ‫أما أسباب تسمية العنوان‬
                                       ‫أي جزء من كل‪ ،‬فالقيامة عموم‬              ‫بهذا الاسم فيرجع إلى سببين‬
  ‫بدأ حسن النصار بإهداء يكتنفه‬       ‫كل‪ ،‬والأرملة بعض من كل‪ ،‬ويوم‬
    ‫بعض الغموض‪ ،‬وكان الإهداء‬               ‫تقوم الساعة كل فرد يلاقي‬                             ‫مهمين(‪:)11‬‬
                 ‫بالصيغة الأتية‪:‬‬         ‫مصيره‪ ،‬يوم لا ينفع مال ولا‬          ‫أ‪ -‬العنوان يدل ويعبر عن غرض‬
           ‫إلى ك َّل امرأة لا تنتمي‬   ‫بنون كل فرد يلاقي ما عمله‪ ،‬أما‬
                    ‫إلى النساء‪..‬‬        ‫الأرملة فتعيش حالة دمار بعد‬                                 ‫الكتاب‪.‬‬
              ‫إلى الأرملة العذراء‬     ‫فقدها زوجها إلى أن تلاقي ربها‪.‬‬        ‫ب‪ -‬العنوان يشير إلى كاتب العهد‬
      ‫وختم إهداءه بكلمة الشاعر‪،‬‬       ‫قد وقف في ديوانه موقف القاص‬
   ‫لقد خص الشاعر صفحة كاملة‬                                                   ‫والمكتوب إليه (المرسل والمرسل‬
  ‫لتدبيج الإهداءين‪ ،‬وكان الإهداء‬                                                                      ‫إليه)‪.‬‬

                                                                            ‫والعنوان أول عتبة يطؤها الباحث‬
                                                                              ‫الأدبي في التحليل‪ ،‬وأول جزئية‬
                                                                                ‫تجذب القارئ‪ ،‬فالعنوان صفة‬

                                                                            ‫النتاج الأدبي الذي يزيل الغموض‬
                                                                             ‫والإبهام‪ ،‬ويربط العنوان والعمل‬
   276   277   278   279   280   281   282   283   284   285   286