Page 282 - ميريت الثقافية رقم (28)- أبريل 2021
P. 282

‫العـدد ‪28‬‬                            ‫‪280‬‬

                                     ‫أبريل ‪٢٠٢1‬‬

     ‫العصر الحديث‪ ،‬فكان التغير‬           ‫السم أينما حلت وارتحلت‪ ،‬إ ًذا‬        ‫موج ًها إلى كل النساء‪ ،‬لكن لم‬
     ‫يتمثل بتغير البنية الخارجية‪،‬‬      ‫ها هنا الإهداء يختلف عن الأول‬        ‫يتوان للحظات حتى نفى الإهداء‬
   ‫فالتخلي عن نظام الشطرين هو‬          ‫تما ًما‪ ،‬فالأول كان الشاعر يقف‬
‫إرادة حقيقية للابتعاد عن الأشكال‬        ‫موقف المناصر للنساء الأرامل‪،‬‬           ‫وجعله محد ًدا بنساء معينات‬
 ‫الهندسية التزويقية‪ ،‬والهدف من‬          ‫اللائي ترملن بفعل الحرب على‬         ‫دون إكمال حديثه ووضع نقاط‬
     ‫ذلك هو إعطاء الشاعر لنفسه‬       ‫بغداد‪ ،‬أما هذا الإهداء فكان موج ًها‬   ‫المحذوف بدل ذلك‪ ،‬وبعدها رجع‬
  ‫مساحة إيقاعية تمكنه من تغيير‬         ‫إلى من أعلن الحرب وقتل المئات‬
  ‫التفعيلات حسب ما يرغب(‪.)14‬‬            ‫من أبناء الشعب‪ ،‬فالشاعر ربما‬           ‫مرة أخرى ليحدد المُهدى إليه‬
                                      ‫كان يقصد من لفظة عقرب القوة‬          ‫(الأرملة السوداء)‪ ،‬وهذا الوصف‬
      ‫وقد استعمل الشاعر حسن‬            ‫التي غزت بغداد ودمرت البلاد‪.‬‬        ‫الدقيق في قمة الروعة‪ ،‬إذا وصف‬
  ‫النصار تقنية واحدة في الأسطر‬                                            ‫المرأة الأرملة بالمرأة التي لم تتزوج‬
‫الشعرية‪ ،‬ألا وهي الطول الشعري‬             ‫وها هنا ثمة سؤال يجول في‬
 ‫المتفاوت‪ ،‬فلم تكن أشطر القصائد‬        ‫خاطرنا‪ :‬هل من الممكن قتل هذه‬            ‫بتا ًتا‪ ،‬وهذا الوصف يدل على‬
‫على وتيرة واحدة من حيث الطول‬          ‫الدابة التي تنشر السم بالكلمات‪،‬‬        ‫تمكنه في رسم اللوحات الطللية‬
‫أو القصر‪ ،‬ومن نماذج ذلك مقدمة‬         ‫وكان من المفترض أن نواجه ذلك‬
  ‫الشاعر(‪« :)15‬غ ًدا حينما ينحنى‬      ‫العدو اللعين بسلا ٍح يتماشى مع‬           ‫التي افتتح الديوان بها‪ ،‬وهذا‬
   ‫الوط ُن‪ /‬أكون بالتأكيد‪ /‬هيأت‬        ‫ماهيته وهو السم ذاته‪ ،‬لكن هنا‬      ‫الإهداء المتواضع في كلماته الدقيق‬

    ‫له السوط‪ /..‬سجلوا في دفاتر‬           ‫عوض الشاعر‪ ،‬وقابل الإساءة‬              ‫في معانيه قد أكسب الديوان‬
   ‫انتصاراتكم‪ /‬بدو ًّيا سأصب ُح‪/‬‬       ‫بالحسنة من خلال الاستصغار‪،‬‬             ‫جمهو ًرا واس ًعا‪ ،‬وختم الإهداء‬
   ‫لأسجن الصحراء في وحدتي‪/‬‬
‫فالشمس في رمالي‪ /..‬لس ُت عب ًدا‪/‬‬          ‫فكان يتوقع العقرب أكبر من‬            ‫بـ(الشاعر)‪ ،‬أي حدد المُهدي‬
                                           ‫حجمه فداس عليه بالكلمات‬          ‫(الشاعر)‪ ،‬والمهدى إليه (النساء‬
         ‫فأخشى أفاعي الرغبة»‪.‬‬
‫لقد استطاع الشاعر حسن النصار‬                 ‫المناهضة ضد هذا العدو‪.‬‬                           ‫العذراوات)‪.‬‬
                                                                                            ‫الإهداء الثاني‪:‬‬
     ‫أن يصور مشه ًدا جريئًا وهو‬        ‫ثان ًيا‪ :‬السطر الشعري‬
  ‫يصف العراق وهو محتل‪ ،‬وكان‬                                                                        ‫دائ ًما‪..‬‬
   ‫يتأمل أن ينحني الوطن‪ ،‬فحالة‬           ‫تخلق الأسطر الشعرية فضا ًء‬         ‫نتصور العقرب أكبر من حجمه‬
‫الشاعر النفسية قد ساءت إذ واجه‬         ‫ايحائيًّا للنص الشعري‪ ،‬فالسطر‬
 ‫انتصارات العدو بحبس نفسه في‬            ‫عبارة عن تركيبة إيقاعية تتميز‬                                ‫لذلك‬
  ‫البادية‪ ،‬فتكون الرمال والشمس‬                                                      ‫ندوس عليه بالكلمات‪..‬‬
                                             ‫بتكرار‬                           ‫لم يتح الشاعر ليبين المقصود‬
    ‫رفيقتا دربه‪ ،‬وهذه التعبيرات‬        ‫(التفعيلة) من‬                         ‫بالاسم المعرف (العقرب)‪ ،‬فكما‬
  ‫المجازية أراد بها الشاعر التعبير‬      ‫دون الالتزام‬                      ‫نعلم أن العقرب دابة تلدغ وتنشر‬

     ‫عما يشعر به من حرقة وألم‬            ‫بالتفعيلات‬
                   ‫يعتصر قلبه‪.‬‬        ‫المكتملة كما هو‬
                                     ‫الحال في الشعر‬
 ‫ومن خلال ما تقدم يتضح لنا أن‬
    ‫الشاعر لم يلتزم بنم ٍط الكتابة‪،‬‬     ‫القديم‪ ،‬ويعد‬
                                      ‫هذا النظام من‬
  ‫فكانت الأسطر الشعرية تبدأ من‬         ‫أهم التغيرات‬
 ‫اليمين تنتهي عند انتهاء التفعيلة‪،‬‬
                                         ‫التي طرأت‬
    ‫فحركة الأسطر الشعرية‪ ،‬هي‬            ‫على القصيدة‬
     ‫حركة ُترصد كمكون للفضاء‬
     ‫الصوري‪ ،‬لكن حركة السطر‬               ‫العربية في‬
   277   278   279   280   281   282   283   284   285   286   287