Page 278 - ميريت الثقافية رقم (28)- أبريل 2021
P. 278

‫العـدد ‪28‬‬                            ‫‪276‬‬

                                    ‫أبريل ‪٢٠٢1‬‬

      ‫الأكاديمية ودعاهم للدخول‬      ‫العربية الفصحى التى يسمعونها‬         ‫الأعمدة قاعدة أو مسطبة عريضة‬
‫لمشاهدة البروفات كل يوم‪ ،‬بشرط‬          ‫من الممثلين‪ ،‬ولأن هناك سو ًرا‬         ‫من الخشب فى ارتفاع يوازى‬

     ‫أن يجلسوا على المقاعد المعدة‬    ‫وبوابة حديدية ضخمة وشاهقة‬           ‫أعلى درجات سلم الواجهة ليتسع‬
‫للجمهور ويلتزموا الهدوء الكامل‪،‬‬     ‫الارتفاع تحول بينهم وبين مجرد‬          ‫المكان للمبارزات بالسيوف التى‬
                                    ‫الدخول للفرجة‪ ،‬ولأن هذا الكيان‬          ‫ستتم أمام أعمدة البهو‪ ،‬وكذلك‬
    ‫فدخل الأطفال والتزموا تما ًما‬                                          ‫تم إعداد الشرفة المطلة من أعلى‬
    ‫بالمعاهدة‪ .‬فجاء معهم ذووهم‬         ‫غريب عنهم من الأصل‪ ،‬فكان‬             ‫سطح المعهد التي سيظهر منها‬
                                       ‫طبيعيًّا أن يخلق كل هذا لديهم‬      ‫شبح أبو هاملت الذى كان يظهر‬
      ‫وأقاربهم والأهالي البسطاء‪،‬‬
    ‫وكان من بينهم سيدة بسيطة‬            ‫نو ًعا من التمرد على المجهول‬         ‫أمام هاملت وأوحى له بخيانة‬
 ‫تشهد إحدى البروفات فى الصف‬            ‫وغير المفهوم‪ ،‬فلم يكن أمامهم‬           ‫عمه وقتله أبيه‪ ،‬كما تم حفر‬
                                       ‫إلا إحداث نوع من الضوضاء‬
     ‫الأول وهي تحمل بين يديها‬       ‫والجلبة والزعيق والصراخ لمجرد‬        ‫مقبرة أمام واجهة المعهد فى الفناء‪،‬‬
     ‫طفلها الصغير وترضعة من‬         ‫الشوشرة على ما يجري‪ ،‬ووصل‬              ‫المقبرة التى سيدفن فيها هاملت‬
  ‫ثديها‪ ،‬وأثناء متابعتها للأحداث‪،‬‬     ‫الأمر بشك ٍل ما إلى مرحلة قذف‬           ‫فى نهاية الدراما‪ ،‬حينما تأتى‬
   ‫كان محمد صبحي فى لحظة ما‬            ‫المكان بالحجارة لمجرد جهلهم‬
    ‫على المسرح قريبًا منها‪ ،‬فقالت‬   ‫بالحكاية وللتعبير عن رفضهم لما‬       ‫جنازة فعلية من خلف مبنى المعهد‬
   ‫له بتلقائية شديدة “عيني عليك‬                                           ‫في مشهد مهيب يحملون جثمانه‬
‫يابني خللي بالك دول هيموتوك”‪،‬‬             ‫لا يعرفونه ولهذا المجهول‪.‬‬                     ‫إلى مثواه الأخير‪.‬‬
    ‫فتوقف صبحى لحظة خاطفة‪،‬‬              ‫ولهذا السبب كانت البروفات‬            ‫استخدم محمد صبحي بعض‬
    ‫يستجمع قولها‪ ،‬ثم استمر فى‬            ‫تتوقف بعض الوقت‪ ،‬ويعاد‬                 ‫المقاطع الموسيقية الدرامية‬
 ‫التمثيل‪ .‬كان هذا المشهد التلقائي‬        ‫البدء من جديد‪ ،‬ثم يتكرر ما‬         ‫المؤثرة لمصاحبة أجزاء محددة‬
  ‫إنسانيًّا ومعب ًرا عن مدى تلاحم‬   ‫حدث مرات ومرات‪ ،‬إلى أن أرهق‬            ‫من العرض‪ ،‬وهي العمل الشهير‬
     ‫هذه السيدة مع ما يدور على‬      ‫الأطفال كثرة هذا التكرار‪ ،‬فقرروا‬            ‫«كارمينا بورانا” الدرامية‬
      ‫المسرح رغم بساطتها‪ ،‬وقلة‬       ‫تعديل سيناريو تصرفاتهم لأنها‬           ‫القوية الحماسية المتصاعدة فى‬
  ‫تعليمها‪ ،‬فربما لم تكن تعرف لا‬      ‫لم ُتقابل بأى نوع من العنف من‬           ‫نسيج بوليفوني وهارمونيات‬
                                       ‫فريق العمل‪ ،‬ولكن على العكس‬           ‫معقدة قوية معبرة عن المأساة‬
              ‫القراءة ولا الكتابة‪.‬‬  ‫كانو يتلطفون معهم لصغر سنهم‬               ‫الأسطورية الصاخبة لمؤلفها‬
 ‫لم يكن اختيار محمد صبحي هذا‬             ‫ويطلبون منهم الهدوء‪ ،‬فبدأ‬          ‫الألماني كارل أوروف‪ ،‬الذى تم‬
                                        ‫الأطفال يقتربون شيئًا فشيئًا‬      ‫دعوته لحضور تقديم هذا العمل‬
    ‫المكان المكشوف لعرض العمل‬        ‫من السور‪ ،‬المبني نصفة السفلي‬          ‫لأول مرة في مصر بدار الأوبرا‬
    ‫مصادفة‪ ،‬ولكن كان عن قصد‬          ‫من الحجارة والعلوي من أسياخ‬              ‫المصرية القديمة عام ‪.1966‬‬
  ‫وتعمد‪ ،‬لتحقيق هدف نبيل‪ ،‬بأن‬          ‫حديدية‪ ،‬والجلوس على حافته‬               ‫كما استخدم صبحي أي ًضا‬
   ‫يلتحم هذا المجتمع البسيط بكل‬       ‫يستمعون ويشاهدون عن كثب‬              ‫أجزا ًء من السيمفونية الخامسة‬
  ‫الأعمار السنية وخاصة في هذه‬        ‫ما يدور مع الإقلال روي ًدا روي ًدا‬  ‫وافتتاحية ‪ 1812‬للمؤلف الروسي‬
     ‫الفترة العصيبة التى يمر بها‬        ‫من الإزعاج والضوضاء التى‬                          ‫تشايكوفسكي‪.‬‬
                                      ‫يحدثونها لأنها لم تأت بنتيجة‪.‬‬       ‫كان أطفال العمرانية يمرون أثناء‬
     ‫الوطن‪ ،‬لرفع الروح المعنوية‬       ‫واستمر الحال هكذا أيا ًما قليلة‬         ‫البروفات فى الشارع المجاور‬
    ‫والتعبير عن أننا قادرون على‬       ‫أخرى‪ ،‬إلى أن بدأ حال الأطفال‬           ‫لمعهد الفنون المسرحية‪ ،‬فكانو‬
    ‫الخلق والإبداع وسط كل هذه‬         ‫يتبدل وتحول الأمر إلى فضول‬          ‫يشاهدون عن بعد ما يجرى أمام‬
‫الأحزان‪ ،‬وأن نشر الوعي والثقافة‬          ‫شديد لمعرفة ما يدور حينما‬           ‫المعهد‪ .‬ولحداثة سنهم ولأنهم‬
     ‫قضية جوهرية فى مجتمعنا‪.‬‬            ‫فتح لهم محمد صبحى بوابة‬              ‫لا يدركون بقدر معقول اللغة‬
      ‫حضر أحد العروض الكاتب‬
‫الكبير لويس عوض والفنانة نادية‬
‫لطفى‪ ،‬والمخرج السينمائي شادي‬
   273   274   275   276   277   278   279   280   281   282   283