Page 285 - ميريت الثقافية رقم (28)- أبريل 2021
P. 285

‫تعد عتبات العنوان المرسومة‬                                                       ‫جيرار جنيت‬
     ‫كتاب ًّيا أو خط ًّيا وظيفة تأويلية‬
   ‫للتعبير عن المعنى‪ ،‬وجز ًءا مه ًّما‬                                       ‫يبني‪ /‬عد ّوك عليك ساكن تاجول)‪.‬‬
     ‫في بناء النص‪ ،‬حتى ُعدت هذه‬                                             ‫قوله(‪« :)05‬أمي لم تعلمني سوى‬
 ‫الديباجة وسيلة في غاية الأهمية‪،‬‬
‫وقد أشار أصحاب المؤلفات إلى هذه‬                                                  ‫لغة واحدة‪( /‬الجهل والغيرة‬
  ‫الجزئية المهمة وسبب التسمية‪،‬‬                                                                   ‫شاهدان)»‪.‬‬
 ‫ومنهم‪ :‬الكلاعي إذ قال‪" :‬العنوان‬
   ‫الدال على شيء حتى قيل عنوان‬                                                   ‫ومن عرض ما تقدم‪ ،‬نو َّد أن‬
  ‫وعلوان والجمع عناوين وعلاوين"‬                                             ‫نشير إلى أن سييموطيقة العلامات‬

  ‫وتطو ُف الهواء‪ /‬ولا ربيع احتج‬               ‫ابتدع الشاعر نسق البياض‬           ‫دالة ومؤشر مهم‪ ،‬فكل علاقة‬
   ‫على النهر‪ /‬ومنعه من التطواف‬           ‫الموازي للجمل المكتوبة‪ ،‬والسبب‬        ‫ذات ماهية معرفية أنطولوجية‪،‬‬
                                         ‫الرئيس في استعمال هذه التقنية‬          ‫وأن هذه العلامات تفصح عن‬
            ‫في‪ /‬عيون السماء‪.»..‬‬           ‫هو عدم قدرته على إكمال ما بدأ‬          ‫معنى عميق من خلال القراءة‬
 ‫وبالتأمل في هذا المقطع يلاحظ أن‬          ‫به‪ ،‬وكذلك ترك مساحة واسعه‬
                                       ‫للقارئ ليكمل ما يشعر به الشاعر‪،‬‬                      ‫السيميائية(‪.)15‬‬
    ‫الشاعر استخدم ألفا ًظا شديدة‬
   ‫القسوة (جلاد‪ -‬أطواق‪ -‬منع)‪،‬‬              ‫والنص المغلق (الكتابة) مفتاح‬      ‫راب ًعا السواد والبياض‬
   ‫وهذه المفردات تدل على القيود‪،‬‬               ‫للنص الصامت (البياض)‪.‬‬
                                                                                  ‫وسيلة مهمة لتحليل وتقويم‬
     ‫فالشاعر محتكر هو ومدينته‬              ‫واختيار الشاعر للفظة الطيور‬          ‫الشعر‪ ،‬فالسواد والبياض من‬
  ‫بغداد‪ ،‬ومن ثم ترك الكلام ولجأ‬         ‫(الجمع) دلالة على ما يشهده بلده‬         ‫التقنيات الجالبة للانتباه‪ ،‬وقد‬
   ‫إلى الصمت ليترك للمقابل حرية‬         ‫من أزمات وقتل وخراب‪ ،‬فالطيور‬         ‫احتلت هذه التقنية الشعر الحديث‬
                                                                               ‫ولا سيما شعر التفعيلة‪ ،‬فناد ًرا‬
          ‫التعبير‪ ،‬وما هي قيوده‪.‬‬            ‫تؤذي نفسه‪ ،‬ويكون الصهيل‬           ‫ما نجد قصيدة تخلو من عنصر‬
   ‫ويتبين مما سبق إن للمتعاليات‬          ‫الوسيلة الوحيدة للتعبير عن هذا‬       ‫البياض‪ ،‬فالبياضات تمنح للنص‬
                                       ‫الألم‪ ،‬ويخبرنا بأن هذا الألم لا أحد‬      ‫بعدين‪ :‬سمعي وبصري‪ ،‬ومن‬
     ‫النصية أث ٌر مه ٌم في بناء البنى‬     ‫يتذكره سوى أجنحة الفراشات‬         ‫أمثلة المقطع المتمثل(‪« :)25‬أسراب‬
      ‫الشعرية‪ ،‬فالديوان عمل فني‬        ‫وأوراق الأشجار‪ ،‬وهاتان المفردتان‬          ‫الطيور كيف ألجمت نفسها‪/‬‬
    ‫يرتقي إلى أعلى وأرفع درجات‬          ‫تحملان محمو ًل جنسيًّا (المؤنث)‪،‬‬        ‫ونملأ الفراغات بالصهيل؟‪ /‬لا‬
‫النبل‪ ،‬ويفتح أمام القراء والمرهفين‬        ‫ويدلان على الضعف‪ ،‬فالضعفاء‬         ‫أحد يذكر‪ /‬سوى ما رأته أجنحة‬
   ‫با ًبا واس ًعا للتأويل‪ ،‬فكل شاعر‬     ‫فقط من يتذكرون الأمور السلبية‪،‬‬       ‫الفراشات‪ /‬وما تقوله الآن أوراق‬
  ‫لديه رسالة يقدمها ومرس ٌل إليه‬
      ‫يستقبلها حتى يصف النص‬                 ‫وكذلك وردت هذه التقنية في‬                              ‫الشجر»‪.‬‬
‫ويحلله حسب خوالج نفسه‪ ،‬ولا بد‬           ‫مكان آخر من الديوان(‪« :)35‬لماذا‬
 ‫من توافر قدرات وأدوات للتحليل‬         ‫تمسكين بيدي كجلادي الزوراء‪/..‬‬

                       ‫والتأويل‬             ‫أم أ َرى زهرة تحتك ُر الربيع‪/‬‬
   280   281   282   283   284   285   286   287   288   289   290