Page 288 - ميريت الثقافية رقم (28)- أبريل 2021
P. 288

‫العـدد ‪28‬‬                            ‫‪286‬‬

                                       ‫أبريل ‪٢٠٢1‬‬

 ‫القصائد‪ ،‬ولا نستغرب أن يحتل‬           ‫غير قابل للتشيؤ كأن تتحول إلى القارئ وإثارة فضوله ومن ثمة‬
   ‫مثل هذه المكانة‪ ،‬لأن الشاعرة‪،‬‬
    ‫وكما لمحنا إلى ذلك سل ًفا‪ ،‬من‬        ‫تحمسه والإيقاع به للدخول إلى‬       ‫أشياء قديمة فقدت صلاح َيتها‬
   ‫الشعراء الذين عاشوا مخاوف‬           ‫عالم الديوان الذي يبدو من عتباته‬      ‫ويمكن استعمالها من جديد‪.‬‬

‫الحرب وجرحه العميق‪ ،‬كما شكل‬             ‫عالمًا ملب ًدا بالسحب السوداء‪ ،‬إنه‬      ‫وعليه‪ ،‬فالعنوان بهذه الصيغة‬
  ‫لديها الموت محو ًرا رئيسيًّا بد ًءا‬    ‫موت بطراز آخر وبصور أخر‪،‬‬           ‫يربك القارئ ويواجهه مع أشراك‬
                                          ‫وملتقى عميق للشاعرة بالموت‬
‫من ديوانها الأول «»ظهيرة حب‪..‬‬                                                  ‫جمالية في هذه العتبة المركزية‪،‬‬
 ‫ظهيرة حرب»‪ ،‬الذي صدر تحت‬                         ‫كحالة شعرية كبرى‪.‬‬              ‫بقصد إزعاجه وإمتاعه‪ ،‬قلقه‬
                                           ‫إجما ًل‪ ،‬للشاعرة وداد نبي في‬
   ‫القصف و»الألم على المدن التي‬          ‫هذه العتبات‪ ،‬عدة مقاصد‪ ،‬منها‬       ‫وفتح شهية فضوله‪ ،‬بحيث يضع‬
 ‫كانت تدمر أمامها‪ ،‬البراميل التي‬         ‫أنها وضعت على طاولة مداخل‬            ‫ذهنه مباشرة أمام موت مفارق‬
  ‫سرقت حياة السوريين»‪ ..‬تقول‬               ‫الديوان فضو ًل جماليًّا وقل ًقا‬     ‫وليس كالموت‪ ،‬وكذلك العنوان‬
                                         ‫في ذهن القارئ من شأنه إثارة‬
     ‫الشاعرة في إحدى حواراتها‪،‬‬            ‫تساؤلات عدة حول هذا الموت‬          ‫من طبيعته التشويش على القارئ‬
  ‫وبذلك يغدو الموت قضية كبرى‬           ‫الذي تستقبله في العنوان والإهداء‬       ‫كما يراه إمبرتو إيكو‪ ،‬كما تسند‬
 ‫لا يمكن القفز عليها لان الشاعرة‬       ‫وظهر الغلاف‪ ،‬والذي لا يستطيع‬
                                         ‫الإجابة عنها ما لم يقتحم أغوار‬        ‫هذا العنوان كلمة ظهر الغلاف‬
     ‫عايشت أشواكها وتفاصيلها‬                                                     ‫باستعادتها للموت ويومياته‬
‫المفجعة على نحو لا يحتمل الشك‪.‬‬                                 ‫النص‪.‬‬
                                            ‫بهذا المعنى‪ ،‬ينتشر الموت في‬     ‫وأمكنته‪ ،‬نقرأ منها‪« :‬يصبح الموت‬
    ‫تقترح الشاعرة منذ قصيدتها‬             ‫قصائد الديوان حتى تلك التي‬        ‫خرد ًة‪ ،‬عندما تتح ّول صور الحياة‬
‫الأولى صورة الحزن وهي تشتغل‬               ‫تتناول اللحظات السعيدة‪ ،‬فهو‬       ‫من حولنا فتنمو أزهار الصبار في‬
                                         ‫محتشد ومكتظ بالتفاصيل‪ ،‬بل‬
  ‫على تأسيس صورة إنسانية له‪:‬‬           ‫وتحفل برائحته وشكله ولونه كل‬          ‫أحواض المدن المهجورة‪ ،‬وتسقط‬
            ‫«لم يكن للحزن بيت‬                                               ‫طرود البؤس على رأس هذا العالم‪،‬‬

    ‫فاستقبلناه بحفاوة في بيوتنا‬                                                 ‫وينمو العشب في قفل الباب»‪.‬‬
         ‫كفرد من العائلة» ص‪.7‬‬                                                    ‫كذلك عتبة الإهداء باعتبارها‬
                                                                              ‫ممارسة اجتماعية وعلامة دالة‪،‬‬
  ‫إن معنى الحزن هنا وبهذه‬                                                      ‫ساهمت بدورها في إفشاء سر‬
     ‫الأنسنة‪ ،‬هو في الحقيقة‬
                                                                            ‫النص الذي سيسكن الموت‬
  ‫تجسيد للموت الذي أصبح‬
     ‫مألو ًفا وغدا شبي ًها بأي‬                                              ‫القصائد وتسكنه‪ ،‬فالشاعرة‬
    ‫شخص ما‪ ،‬يتقمص دور‬
    ‫واحد من العائلة‪ ،‬وبذلك‬                                                  ‫تهدي ديوانها إلى «مالفا»‬

  ‫تزواج الشاعرة بين الحزن‬                                                   ‫وبهذه الصيغة‪« :‬إلى جيفارا‬
 ‫وبين الموت‪ ،‬في سعي حثيث‬
‫للكشف عن دائرته وعلاقاته‬                                                    ‫مالفا نبي في خرابها الأخير»‪،‬‬

   ‫اليومية بالإنسان والمكان‪،‬‬                                                ‫وجملة «خرابها الأخير»‪،‬‬
  ‫وتتعزز هذه الصورة التي‬
‫تعكس شكل هذا الذي أمسى‬                                                      ‫تعمق من‬

           ‫مألو ًفا ومتداو ًل‪:‬‬                                              ‫حضور الخراب‪،‬‬
            ‫«أتصدق الحياة‬
        ‫أن الموت سهل هكذا‬                                                   ‫الذي تسبب‬
   ‫كتكرار لا حقة ‪je t aime‬‬
  ‫في أغنية فرنسية» ص‪.32‬‬                                                     ‫الحرب والمعاناة‬

                                                                            ‫القاسية للموت‪،‬‬

                                                                            ‫ولعل من شأن‬

                                                                            ‫هذا الحضور‬

                                                                            ‫السلطوي‬

                                                                            ‫للموت في عتبات‬

                                                                            ‫الديوان‪ ،‬إغراء‬

                                                   ‫وداد نبي‬
   283   284   285   286   287   288   289   290   291   292   293