Page 121 - ميريت الثقافية- العدد رقم (25) يناير 2021
P. 121

‫رأى قاسم أمين وسمع وقرأ عن أحوال‬                           ‫الثورة صورة للمرأة الجديدة‪.‬‬
     ‫المرأة في أوروبا‪ ،‬ثم رأى بعينيه وسمع‬                            ‫لم يكن قاسم أمين محاميًا‬
    ‫بأذنيه عن أحوال المرأة في مصر‪ ،‬فشرع‬                          ‫وقاضيًا فحسب‪ ،‬بل كان مفك ًرا‬

          ‫يدرس مسألة المرأة من ناحيتيها‬                            ‫وأديبًا من أعظم طراز وأرقى‬
       ‫الاجتماعية والاقتصادية‪ ،‬مستن ًدا إلى‬                          ‫طبقة‪ ،‬وقد أسهم في تطوير‬
   ‫مصدرين‪ :‬الشريعة‪ ،‬والفكر الغربي‪ ،‬فقد‬                           ‫وتحديث الفكر العربي الحديث‪،‬‬
   ‫كان من الذكاء والألمعية بحيث أدرك أن‬                          ‫مثلما أسهم في تطوير البلاغة‬
     ‫موضوع الشريعة وأحكامها لا يصح أن‬                            ‫العربية‪ ،‬وأسلوب الكتابة‬
‫يكون موضو ًعا ثانو ًّيا‪ ،‬بل هو مربط الفرس‬                        ‫العربية‪ ،‬وأدعو القارئ لكي‬
 ‫في مسألة حقوق المرأة المصرية المسلمة‬                            ‫ينظر في القطعة النثرية التي‬
                                                                 ‫نشرها الدكتور محمد عمارة‬
                                                                 ‫في كتابه «قاسم أمين‪ :‬تحرير‬
                                                                 ‫المرأة والتمدن الإسلامي»‬
                                                                 ‫بعنوان «الحجاب الفتنة»‪،‬‬
                                                                 ‫فهي آية من آيات البلاغة‪،‬‬
                                                                 ‫فيها نموذج بارع للوصف‬
                                                                 ‫به قاسم أمين‬  ‫كواًّلل ّسمرند‪،‬محسمبدق‬
   ‫بين الكفاح السياسي يقوده‬          ‫جميل‪ ،‬والقسم الأعلى غير‬      ‫حسين هيكل‬
‫زغلول‪ ،‬والكفاح الفكري يقوده‬      ‫مستور‪ ،‬وإنما الملاءة مشبوكة‬     ‫(‪ )١٩٥٦ -١٨٨٨‬صاحب‬
 ‫قاسم‪ ،‬ثم أنهى الكتاب بفتوى‬       ‫في رأسها مسدولة على كتفيها‬     ‫زينب‪ ،‬ونجيب محفوظ (‪-١٩١١‬‬
‫تفصيلية أصدرها الإمام محمد‬        ‫وذراعيها إلى المرفقين‪ ..‬كانت‬   ‫‪٢٠٠٦‬م) صاحب الثلاثية‪،‬‬
                                                                 ‫سبقهما في قدرته على السرد‬
    ‫عبده بشأن حقوق الزوجة‬           ‫تمشي خطوات مر ّتبة يهتز‬      ‫الحديث البليغ الخالي من‬
  ‫التي تكفلها لها الشريعة‪ ،‬من‬     ‫معها جسمها مائ ًجا كما تفعل‬    ‫الزخرف‪ ،‬وقد كانت عبقريته‬
 ‫النفقة وطلب التطليق للضرر‪،‬‬        ‫الراقصة على المسرح‪ ،‬وكانت‬     ‫الفذة أنه استغل بلاغته في‬
‫في حال عجز الزوج عن النفقة‪،‬‬       ‫تخفض جفونها بحركة بطيئة‬        ‫ضرب أنصار «الحريم»‪ ،‬فقال‬
   ‫أو غيابه‪ ،‬فكان كتاب «المرأة‬                                   ‫يصف امرأة منتقبة تمشي في‬
                                    ‫وترفعها كذلك‪ ،‬وترسل إلى‬      ‫الشارع‪« :‬رأيت يو ًما في شارع‬
     ‫الجديدة» بعنوانه اللافت‪،‬‬      ‫المارة نظرات دعابة ورخاوة‪،‬‬    ‫الدواوين امرأة تمشي وأمامها‬
 ‫وبإهدائه وبخاتمته وملاحقه‪،‬‬      ‫وحنان واستسلام‪ ،‬وبالإجمال‬       ‫خادم‪ ،‬يظهر من هيئتها‬
                                 ‫كان مجموعها تحري ًضا مهيِّ ًجا‬  ‫أنها من عائلة كبيرة‪ ،‬طويلة‬
     ‫كله كان ارتبا ًطا للفكر في‬  ‫لحواسهم»‪ ..‬هذه صورة المرأة‬      ‫القامة ممتلئة الجسم‪ ،‬عمرها‬
    ‫أسمى معانيه‪ ،‬بالوطنية في‬                                     ‫بين العشرين والثلاثين‪ ،‬في‬
   ‫أجلى صورها وبالصدق في‬            ‫المحجوبة خلف الحريم‪ ،‬إذا‬     ‫وسطها حزام من الجلد‪،‬‬
   ‫نصاعة بيانه ونوره‪ .‬ولهذا‬      ‫رأيتها وقد أتيحت لها الفرصة‪،‬‬    ‫مشدود على خصر رفيع‪،‬‬
                                 ‫كانت راقصة تقدم نمرتها على‬      ‫وملاءة منطبقة على جسمها‬
      ‫كان علينا ألا نف ّوت هذه‬                                   ‫انطبا ًقا تا ًّما‪ ،‬الجزء الأسفل‬
   ‫الفرصة فنعاود التذكير به‪،‬‬          ‫مسرح الشارع وبالمجان‪.‬‬      ‫بارز عند الأرداف‪ ،‬ومرسوم‬
  ‫وندعو القراء لمعاودة قراءته‬           ‫أهدى قاسم أمين كتاب‬      ‫تحت ستار الملاءة باعتدال‬
                                       ‫«المرأة الجديدة» لصديقه‬
                     ‫ودرسه‬
                                  ‫سعد زغلول‪ ،‬وفي هذا الإهداء‬
                                       ‫ما فيه من بيان الارتباط‬
   116   117   118   119   120   121   122   123   124   125   126