Page 124 - ميريت الثقافية- العدد رقم (25) يناير 2021
P. 124

‫العـدد ‪25‬‬                                    ‫‪122‬‬

                                         ‫يناير ‪٢٠٢1‬‬

  ‫علاوة على دور التاريخ في ترسيخ‬          ‫النقدي‪ ،‬وبناء إنسان قادر على فهم‬              ‫اللفظة من دلالات ومعاني إيجابية‬
     ‫قيم الهوية الوطنية والحضارية‬            ‫مجتمعه المحلي الذي ينتمي إليه‪،‬‬            ‫في المجال الطبي على وجه التحديد‪،‬‬
       ‫والمواطنة الإيجابية المسؤولة‪.‬‬         ‫وكذلك مشاكل ومتغيرات العالم‬                ‫كأسلوب لتجنب مختلف الأسباب‬
                                             ‫المعاصر من حوله‪ ،‬مما يساعد‪،‬‬
      ‫صفوة القول‬                                                                             ‫المفضية للإصابة بالعدوى‪.‬‬
                                           ‫بالتالي‪ ،‬على تشكيل ذاكرة جماعية‬           ‫إن تدريس الفلسفة‪ ،‬كفرع من العلوم‬
 ‫إن العلوم الإنسانية من هذا المنظور‪،‬‬      ‫تستوعب المحلي والجهوي والعالمي‪.‬‬            ‫الإنسانية‪ ،‬يم ِّكن الدارس من اكتساب‬
‫تمثل حاجة «إستراتيجية» في المجتمع‪،‬‬        ‫وهكذا تحصل لدى الشخص نظرة‬
                                          ‫أوسع وأشمل للعالم وأكثر انفتا ًحا‬            ‫جملة من المهارات الفكرية والعقلية‬
     ‫فمن خلالها نستطيع استئصال‬             ‫على آفاق متعددة قد لا تبدو للفرد‬             ‫أهمها‪ :‬الفكر النقدي‪ ،‬الذي لا يقبل‬
‫التطرف من أصوله وتجفيف منابعه‪،‬‬                                                       ‫الجاهز والمعطى من الأفكار والأحكام‬
  ‫تجسي ًدا لمبدأ «القضاء على المسببات‬       ‫المنحصر الفكر والأفق‪ .‬ناهيك أن‬              ‫المسبقة والارتكان إلى المواقف‪ ،‬بل‬
                                         ‫التاريخ‪ ،‬كزميلته الفلسفة‪ ،‬يعمل على‬           ‫يخضعها للمساءلة النقدية والتحليل‬
    ‫بدل علاج النتائج»‪ .‬حيث تسمح‪،‬‬          ‫تربية وتنمية الحس النقدي ‪-‬القائم‬            ‫قبل التسليم والإقرار بها‪ ،‬مما يؤدي‬
  ‫هذه العلوم‪ ،‬بإعداد «مناعة فكرية»‬        ‫على تعزيز مكانة الملاحظة والسؤال‬
                                          ‫والشك المنهجي النازع نحو البحث‬                  ‫إلى تحرير الفكر من الدوغمائية‬
    ‫قوية ضد الخطابات والمحاولات‬           ‫عن الحقيقة‪ -‬تجاه الواقع والمحيط‪،‬‬                ‫الضيقة‪ ،‬إلى الانفتاح على الآخر‬
   ‫الحاملة «لفيروس التطرف» الذي‬          ‫وتكوين الرأي والمواقف والاتجاهات‬             ‫والتحاور معه على أساس قيم الحق‬
   ‫يهدد المجتمع (الدولة أو الأمة) في‬                                                     ‫والعدالة والتسامح‪ ،‬ومن التبعية‬
   ‫أمنه القومي واستقراره السياسي‬            ‫والسلوكيات‪ ،‬المتأتية من خلفيات‬               ‫الفكرية إلى الاستقلالية في اتخاذ‬
                                            ‫فكرية متنوعة المشارب‪ ،‬وتجارب‬             ‫المواقف والاختيارات والقرارات‪ ،‬وهذا‬
      ‫وسمعته الدولية ثم في سلامة‬        ‫تاريخية متعددة‪ ،‬وهذا‪ ،‬بطبيعة الحال‪،‬‬          ‫يمضي بالشخص لأن أن يكون فاع ًل‬
    ‫وطمأنينة أفراده‪ .‬لذلك‪ ،‬ندعو من‬       ‫يكسب المرء ح ًّسا نقد ًّيا وتاريخيًّا في‬       ‫لا مفعو ًل به‪ ،‬ومن الذاتية المنغلقة‬
  ‫هذا المنبر إلى إعادة الاعتبار للعلوم‬  ‫قراءة الأحداث والقضايا والخطابات‪..‬‬             ‫الإقصائية‪ ،‬إلى إقامة علاقة مع هذا‬
   ‫الإنسانية والاهتمام بها وتخويلها‬                                                    ‫الغير للتبادل والتحاور والمشاركة‪،‬‬
‫المكانة التي تستحقها‪« ،‬كصمام أمان»‬            ‫إلخ‪ ،‬ومن َث َّم القدرة على تحليل‬          ‫ومن الاندفاع العاطفي والانفعالي‬
   ‫للمجتمع للحيلولة دون انحرافات‬        ‫المشكلات والوضعيات والحكم عليها‪،‬‬                ‫والعنف‪ ،‬إلى التحكم الواعي الموجه‬
   ‫الفكر وانزلاقاته في أحضان أعداء‬      ‫مع احترام الاختلافات باعتبارها غنًى‬                ‫بالقيم الإنسانية الكونية‪ ..‬إلخ‪.‬‬
                                                                                       ‫إن الفلسفة بهذا المعنى‪ ،‬تعلمنا أخذ‬
                ‫الدين والإنسانية‪.‬‬           ‫وتنو ًعا ثقافيًّا وحضار ًّيا إيجابيًّا‪.‬‬       ‫مسافة مما هو قائم ورائج من‬

‫مقاتلو تنظيم القاعدة‬                                                                          ‫وقائع وبداهات وتصورات‬
                                                                                               ‫وأفكار وأحكام‪ ..‬إلخ‪ ،‬من‬
                                                                                           ‫أجل إحالتها على محكمة العقل‬
                                                                                           ‫لمناقشتها وتمحيصها وتشكيل‬
                                                                                            ‫الموقف المناسب و»الأصوب»‬
                                                                                             ‫منها‪ ،‬قبل الاندفاع العاطفي‬
                                                                                         ‫نحوها والاستسلام السلبي لها‪.‬‬
                                                                                              ‫ولعل الوظائف التي يلعبها‬
                                                                                          ‫التاريخ في المجتمع لا تقل شأ ًنا‬
                                                                                              ‫عما ذكرناه حيال الفلسفة‪.‬‬
                                                                                              ‫فالمعلوم أن التاريخ يساهم‬
                                                                                            ‫بشكل كبير في تكوين الوعي‬
   119   120   121   122   123   124   125   126   127   128   129