Page 142 - ميريت الثقافية- العدد رقم (25) يناير 2021
P. 142

‫العـدد ‪25‬‬                               ‫‪140‬‬

                                     ‫يناير ‪٢٠٢1‬‬                         ‫تنظم وجود الفرد(‪ ،)51‬يقدم‬
                                                                     ‫لاكان وجهة نظر حول النشاط‬
‫السياق قد يتخذ الآخر بسهولة‬         ‫أن يتغلب أو يقضي على الآخر‪،‬‬
      ‫شكل ذات أخرى‪ ،‬يجب‬              ‫وإلا تعرض وجودها للخطر‪،‬‬            ‫الجنسي البشري‪ ،‬باعتباره‬
                                       ‫الرغبة بعبارة أخرى تعادل‬            ‫يعتمد بدرجة كبيرة على‬
  ‫إخضاعها من أجل استقلالية‬                    ‫استهلاك آخر»(‪.)54‬‬
    ‫الذات‪ .‬تصبح هذه القراءة‬           ‫حجة باتلر حول أن الذات لا‬         ‫الثقافة بد ًل من علم الأحياء‬
                                       ‫تعرف نفسها إلا من خلال‬        ‫البيولوجي‪ ،‬ويقرر «بأن الرغبة‬
‫نموذ ًجا مه ًّما في التمثيل الأدبي‬                                   ‫ثقافة‪ ..‬وما نجده مرغو ًبا ناتج‬
    ‫للرغبة والجنوسة‪ .‬ويمكن‬          ‫آخر‪ ،‬هي فكرة جاءت من مثال‬
   ‫‪-‬فوق ذلك‪ -‬فهم ديناميات‬              ‫هيجل الشهير عن السيادة‬          ‫عن معايير وقيم الثقافة التي‬
                                        ‫والعبودية الذي يكون فيه‬        ‫نعيش فيها‪ ،‬حتى لو كان ما‬
  ‫العنف الجنسي في العلاقات‬                                             ‫تركز عليه هذه الثقافة ضا ًّرا‬
              ‫بين الجنسين‪.‬‬           ‫السيد سي ًدا فقط‪ ،‬إلا إذا كانت‬
                                    ‫له علاقة ملكية بالعبد والعكس‬                ‫وغير صحي»(‪.)52‬‬
      ‫يخلق العنف والجنوسة‬                                            ‫نظرة لاكان إلى الحياة الجنسية‬
     ‫شعو ًرا عا ًّما بالحتمية في‬      ‫بالعكس(‪ .)55‬هذا القياس هو‬
   ‫قصائد بلاث‪ ،‬كما لو أنه لا‬        ‫محاولة لفهم العلاقة بين وعي‬          ‫هي الأساس لتحليل باتلر‬
     ‫توجد طريق للهروب من‬             ‫الذات بالذات‪ ،‬وعملية التكيف‬     ‫للجنوسة‪ ،‬وكيف يتم تشكيلها‬
   ‫قمع التهديدات الجنسية‪ .‬في‬        ‫الضروري التي تم ّر بها خلال‬
‫قصيدة (لقاء مع النحل) تجهز‬                                              ‫من خلال الطريقة التي يقرأ‬
 ‫المتحدثة نفسها للانضمام إلى‬            ‫الوجود‪ ،‬وتتفاعل بها على‬      ‫بها الناس أجسادهم‪ ،‬بالإضافة‬
 ‫مجتمع مربي النحل‪ .‬يمكن أن‬          ‫المستوى الخارجي الذي يمكن‬        ‫إلى الكيفية التي يقرأ بها البشر‬
  ‫ينظر إلى الشعائر والطقوس‬            ‫رؤيتها على أنها ثقافة أو لغة‬
   ‫على أنها استعارة لأي شكل‬         ‫أو مجتمع‪ ..‬إلخ‪ .‬يتعامل هيجل‬          ‫أجساد الآخرين‪ .‬واستنا ًدا‬
      ‫آخر من أشكال التنشئة‬                                                ‫إلى دراسات لاكان تشير‬
   ‫الاجتماعية‪ ،‬المتحدثة خائفة‪،‬‬         ‫مع الذات والآخر بوصفهما‬           ‫باتلر في عملها إلى أن هذه‬
‫لأنها على عكس كل الموجودين‬              ‫جزأين منفصلين من بنية‬          ‫القراءة يجب أن تحدث داخل‬
‫هناك ليست محمية في فستانها‬                                               ‫الممكنات وعلامات الوجود‬
   ‫الصيفي بدون أكمام‪ ،‬حيث‬            ‫الذات‪ ،‬وكلاهما يتصارع على‬       ‫الطبيعي لثقافة المرء‪ .‬الجنوسة‬
      ‫هناك أجزاء من جسدها‬              ‫السيادة بشكل دائم‪ ،‬فبينما‬       ‫‪-‬بوصفها فردية‪ -‬تبنى من‬
     ‫مكشوفة‪ ،‬وبالتالي تصبح‬                                              ‫خلال شبكة علاقات‪ ،‬حيث‬
‫سلبية وعرضة لعدوان النحل‪.‬‬                 ‫تريد الذات الاستقلالية‪،‬‬       ‫يبرز واحد نفسه دائ ًما فيما‬
 ‫من خلال (التحول إلى حرير)‬              ‫وفرض نفسها على الآخر‪،‬‬         ‫يتعلق بالقوى الخارجية‪ ،‬ومن‬
  ‫خفيف شبه ش ّفاف‪ ،‬تأمل ألا‬          ‫نجد الآخر هو الذي يدرك أنه‬          ‫ثم تسأل باتلر‪ :‬ما العلاقة‬
 ‫يعرفها أحد‪ ،‬من الآن فصاع ًدا‬        ‫من خلال تكيف الذات تصبح‬           ‫بين الرغبة والتقدير‪ ،‬وكيف‬
‫لإخفاء خوفها‪ .‬صورة الج ّراح‬                                          ‫يتم قانون ذلك الموضوع الذي‬
   ‫التي تتك ّرر في القصائد مثل‬           ‫قادرة على التفاعل داخل‬           ‫ينطوي على علاقة جذرية‬
   ‫(الج ّراح في الثانية صباحا)‬                      ‫المجتمع)(‪.)56‬‬          ‫وتأسيسية بالتبادل(‪،)53‬‬
      ‫و(السيدة لعازر) تظهر‬                                           ‫تلخص سارة صالح نهج باتلر‬
  ‫بوصفها نموذجا لذكر قوي‬            ‫التناظر الذي عقده هيجل مؤثر‬      ‫في مقاربة الرغبة والذاتية بهذه‬
     ‫متداول في قصائد بلاث‪.‬‬           ‫للغاية‪ ،‬وهو في الواقع نموذج‬      ‫الكلمات‪« :‬لتحديد ذلك بطريقة‬
      ‫بالرغم من وجود الناس‬           ‫للذاتية التي تخدم غرض فهم‬        ‫أخرى‪ ،‬يمكن للذات أن تعرف‬
   ‫لاستخراج العسل من خلية‬             ‫الرغبة النوعية المقموعة التي‬      ‫نفسها فقط من خلال آخر‪،‬‬
‫النحل تتصرف المتحدثة كما لو‬                                             ‫ولكن في تعرفها على نفسها‬
                                         ‫تفترضها‪ .‬بالنسبة لباتلر‬      ‫وتكوينها‪ ،‬الوعي بالذات يجب‬
                                      ‫فالرغبة هي الرغبة في فرض‬
                                      ‫الذات على الآخر‪ ،‬حيث يمكن‬

                                          ‫قراءتها بوصفها الإرادة‬
                                     ‫الفردية لرؤية رغباتها تتحقق‬

                                       ‫في العالم الخارجي‪ .‬في هذا‬
   137   138   139   140   141   142   143   144   145   146   147