Page 113 - ميريت الثقافية رقم (27)- مارس 2021
P. 113
نون النسوة 1 1 1 لضغط الرغبات الجامحة ،التي لا تتوجه نحو الهدف
الصحيح الذي يمكن أن تستفرغ فيه هيجانها ،ويقضي
فيقودها بمهارة في بحيرة سوداء فاق ًدا للبصر ،لكنه
حافظ للاتجاه الذي وصل بها إلى بر هذه المجموعة على حرمانها ،وفي هذه القصة وغيرها تلتفت سعاد
القصصية المثيرة بموضوعاتها ،وصياغتها الفنية ،بلغة سليمان إلى توظيف الوسائل الإلكترونية كعنصر مؤثر
تقتنص كثي ًرا من سمات اللغة الشعرية ،في التكثيف
والترميز ،وبلاغة التشبيهات والاستعارات والكنايات، في بنية الحبكة ،وكعلامة مهيمنة من علامات الحياة
والجمل القصيرة ،ولا عجب في ذلك فأغلب القصص المعاصرة ،علامة خرجت من توصيفها الآلي الجامد
قصيرة ج ًّدا ،تنازلت عن مساحات من السرد الطويل، لتتشخصن بهيئة جسد أنثوي كامل ،كما في هذه القصة
وعوضتها بمساحات مختصرة ومكثفة ،ربما لأن يظهر عبر «جهاز كومبيوتر موصول بأفلام إباحية»،
جرأة البوح فيها لا تحتمل الإطالة وسرد التفاصيل أو بهيئة عين تصطدم بمشاهدة جسد الأم كما في قصة
ووصفها ،وإنما تستدعي ضربات دلالية مباغتة في
المناطق الحساسة من خاصرة المجتمع أو حتى منطقة (قرفانة).
تحت الحزام ،المغطاة بشال بات صغي ًرا ،وهو يل ُّف ومما يميز قصص سعاد سليمان في هذه المجموعة عدم
تلك الخاصرة الحبلى بالمسكوت عنه ،مما ُيعد اجتماعيًّا
وعقائد ًّيا من الخطايا ،فض ًل عن التناقضات الدرامية في اهتمامها بضرورة وضع نهايات سعيدة للقصص ،أو
الحياة اليومية ،والهواجس النفسية ،والمفارقات ،وهي في الأقل نهايات تفاؤلية تنبئ عن انفراج قريب قادم
أشبه أي ًضا بذلك العازل الطبي في واحدة من قصصها للأزمة والحبكة فيها نحو خطوة باتجاه الأمل ،وإنما
الذي كان الأطفال يعبئونه بالرمل تناف ًسا وتباهيًا، على العكس من ذلك تترك النهايات تتشكل بهيئة أزمة
وانزيا ًحا به عن وظيفته الحقيقية التي حرفها الصغار جديدة ،أو عقدة أصعب غير مبالية بمعيار تحقيقها
قبل الكبار ،الذين كانوا يمارسون طقوسهم الجسدية
باستعلاء من دون الحاجة إلى ستار أو عازل ،وكان من لشعور السعادة أو التعاسة عند المتلقي ..فليست
المفارقة أن وسائل التواصل الإلكتروني باتت أول من تلك مهمتها ،وهي من تعترف لديها الذات القصصية
يخرق تلك العوازل ،ويبيح المحظور ،ويقدمه من دون بأننا مجرد بشر «نتلقب في جبال من الأوراق ،تتطاير
المرور بمرحلة تعبئة العازل بالماء فالرمال ثم الجسد. تفاصيل كثيرة أمامنا ،نحاول الإمساك بها تهجرنا..
أما مهمة وضع الحلول فليست من شأنها ،فهي ليست أرانا نسبح في بحيرة سوداء ،نسكن سو ًّيا قاع البحيرة
طبيبة نفسية ولا مصلحة اجتماعية ،ولا سياسية ،وإنما السوداء» ..وهي رؤية ليست تشاؤمية بقدر كونها
هي (رائية) ،ببصيرتها لما وراء الشال الأحمر من أفعال واقعية ،وشجاعة ،وتفاؤلية بقدرتها على البوح من دون
درامية للبشر ،ومن أجساد معذبة بالحرمان أو الشبق، خوف أو توجس ،بعد أن تحررت من سلطة المراقبة
أ ًّيا كان مصدرها .وما ذلك الأب الأعمى الذي يمتطي
ومن مواقف ساخرة ح ّد تقمص جلود الحيوانات حصا ًنا فاق ًدا للبصر أمام دراما الحياة سوى الوجه
وأصواتها للتعبير الرمزي عن محنتها الكبيرة، الآخر لسعاد سليمان ،وهي تمتطي حصان الكلمات،
وممارسة فعل (الرؤيا) وهي مثله عمياء بوعي وقصدية عن إبصار الوجه المعلن
للحياة ،لأنه وجه لا ينتج إبدا ًعا ،لكنها حادة البصر
والبصيرة في الوقت نفسه بمعاينة الوجه الخفي للحياة
وما يدور خلف شالها الأحمر ،أما حصان الكلمات
الهوامش:
* شال أحمر يحمل خطيئة :سعاد سليمان ،دار روافد ،القاهرة ،ط.2017 ،1
* أستاذ في كلية الآداب بجامعة الموصل ،العراق.