Page 116 - ميريت الثقافية رقم (27)- مارس 2021
P. 116

‫العـدد ‪27‬‬  ‫‪114‬‬

                                                        ‫مارس ‪٢٠٢1‬‬

      ‫أما نص «طعام الفقراء» الذي يعد أحد نصوص‬              ‫وبنسقية سردية متنوعة المباني ومختلفة المفاهيم؛‬
 ‫المخيلة‪ ،‬فقد شهد معما ًرا جدي ًدا تحول فيه الراوي إلى‬      ‫ففي نصها «تاج العنقاء» الذي تشي عتبته الأولى‬
‫را ٍو مشارك في الأحداث‪ ،‬إذ تقول في مستهله الوارد في‬        ‫بأننا قبالة عتبة تدل على القوة والدهاء‪ ،‬ثم يطالعنا‬
 ‫الصفحة السابعة والعشرين «أبكي ضياع «جزمتي»‪،‬‬             ‫المستهل بمفردة «رأيته» التي تحدد لنا تموقع الراوي‬
 ‫أبحث عن لجنة الامتحان‪ ،‬نسيت رقم الجلوس‪ ،‬ضاع‬             ‫العليم خارج بنية الحدث‪ ،‬نجد تجسي ًدا لذلك في المتن‬
  ‫قلمي»‪ ،‬إن هذه الشرائح الزمنية التي تخيلها الراوي‬          ‫الحكائي الذي شهد أحدا ًثا متنوعة ارتبطت بهيمنة‬
                                                        ‫الذكورة على المشهد الحياتي في مصر قبل الميلاد‪ ،‬مثل‬
    ‫المشارك في حلمه بنيت بطريقة مونتاجية اختزلت‬            ‫امتطاء البطل لحصان «الإسكندر الأكبر» الذي يعد‬
  ‫الأزمنة الميتة‪ ،‬وأبقت على أزمات البناء الدرامي التي‬     ‫من السلالة المقدونية التي حكمت مصر‪ ،‬ثم ارتدائه‬
‫مهدت الوصول إلى الذروة‪ ،‬وقبيل الوصول إلى الذروة‬          ‫لزي القيصر في زمن الملكة المقدونية «كيلوباترا» التي‬
 ‫نكتشف أن هذا البناء المختزل المتناوب قائم على تقانة‬     ‫حكمت بعد موت «الإسكندر الأكبر»‪ ،‬ثم نشهد البطل‬
‫الاسترجاع السردي‪ ،‬حينما فاجأت المتلقي بمحاولتها‬            ‫ُيثأثيء بالكلام مع القائد الفرنسي «نابليون» الذي‬
                                                         ‫غزا مصر‪ ،‬ففي هذه الحكايات المتنوعة برعت القاصة‬
      ‫الاستيقاظ من هذا الكابوس «أحاول الاستيقاظ‪،‬‬            ‫في معمارها السردي حينما وظفت تقانات الحذف‬
  ‫أوقف التوغل في هذا الكابوس المتكرر»‪ ،‬ثم تعود إلى‬          ‫والتسريع الزمنية‪ ،‬التي اختزلت لها قرو ًنا عديدة‪،‬‬
 ‫الزمن الحاضر بعد سماعها لصوت الأم التي تناديها‬              ‫على الرغم من أنها حكايات افتراضية للبطل وقد‬
  ‫للإفطار «أسمعها تناديني لإفطار الفول والطعمية»‪،‬‬        ‫تجسدت عن طريق الانتقالة المونتاجية التي تبنى على‬
                                                           ‫نهاية الحدث المختزل‪ ،‬إذ تقول في الصفحة الحادية‬
     ‫لنشهد النهاية المفارقة التي لم تستسغ بها طعام‬         ‫والعشرين «يمتطي حصان الإسكندر الأكبر‪ ،‬ينحر‬
‫الفقراء وتكتفي بشراب «الكابتشينو»‪ ،‬إذ تقول «لم أعد‬          ‫ثو ًرا‪ ،‬يأخذ قرينة‪ ،»..‬فالجمل المختزلة كانت تشي‬
‫استسغ طعام الفقراء‪ ،‬وأكتفي بكوب من الكابتشينو»‪،‬‬           ‫بحوادث مكتملة وبماهية الحدث وبأبعاد الشخصية‬
                                                          ‫وبنية الصراع‪ ،‬ثم تنتقل بعد نهاية المقطع إلى مقطع‬
    ‫إن تموقع الراوي المشارك وبنية الاختزال الزمني‬
   ‫وتقانة الاسترجاع والنهاية المفارقة شيدت معما ًرا‬             ‫جديد بحكاية جديدة بطريقة المسح المونتاجي‬
                                                             ‫السينمائي في ذات الصفحة حينما تقول «يرتدي‬
      ‫سرد ًّيا يشي ببنية حداثية متسقة‪ ،‬في حين كان‬        ‫زي القيصر‪ ،‬يتباهى أمام وصيفات كيلوباترا بقوته‪،‬‬
   ‫الصراع الطبقي بين طبقة القاع ومحاولة مغادرتها‬             ‫يضحكن بغواية‪ ،»..‬فالمسح المونتاجي قد تمظهر‬
   ‫بنية فلسفية تساوقت مع المبنى‪ ،‬فالصوت النسوي‬              ‫للقارئ من خلال مسح صورة اللقطة الثانية على‬
    ‫في هذا النص صوت حجاجي يشتغل على تقويض‬                  ‫اللقطة الأولى على وفق تحولات زمانية ومكانية‪ ،‬في‬
 ‫السلطات التي جعلت منه وسيلة للإقصاء والتهميش‪،‬‬          ‫حين شهدت الخاتمة مفارقة كسرت أفق توقع القارئ‬
 ‫وهذا ما دأبت عليها منظرات النسوية مثل الفيلسوفة‬             ‫من جهة وسطوة الذكورة التي رسمتها الأدبيات‬
  ‫الفرنسية «لوسي إيجاري» التي نادت على ضرورة‬                ‫الأسطورية والدينية والاجتماعية من جهة أخرى‪،‬‬
 ‫أن يكون للمرأة لغتها المستقلة التي تنأى بنفسها عن‬        ‫حينما قامت العنقاء بالتنمر على البطل الذي ضربها‬
                                                         ‫بالسياط ليستعطفها‪ ،‬ثم تجعله مل ًكا متو ًجا بعي ًدا عن‬
     ‫الوصايا السلطوية التي شكلت خطابها السالف‪.‬‬             ‫«البطرياركية» الذكورية‪ ،‬إذ تقول الساردة قي ذات‬
 ‫في حين شهد نصها «شمعة صفراء وحيدة» تحولات‬              ‫الصفحة «خان ًعا يستعطفها‪ ،‬تبتهج العنقاء‪ ،‬تتوجه مل ًكا‬
                                                           ‫على ظهرها»‪ ،‬وهنا يكتمل المعمار السردي المختلف‬
       ‫بنيوية جديدة‪ ،‬إذ عاد الراوي العليم من خارج‬          ‫للقصة مبنًى ومعنًى عن طريق التقانات المونتاجية‬
   ‫الأحداث مرة أخرى وهو يسرد لنا فلسفة الصراع‬            ‫للسرد الحديث من جهة‪ ،‬وتوظيف طروحات النسوية‬
  ‫في ثنائية الذكورة والأنوثة على مر الأزمان‪ ،‬فالبطلة‬       ‫الحديثة التي تشتغل على تقويض الذكورة من جهة‬
  ‫المقبلة على زيجة تقليدية ترسخ في ذهنها‪ ،‬إن وجود‬
‫الشموع البيضاء (الأصح البيض لأن البيضاء للمفردة‬                                                  ‫أخرى‪.‬‬
  ‫ولا تستقيم مع الجمع مثل الشموع) ضرورة لا بد‬
 ‫منها في الزواج‪ ،‬إذ نقرأ في الصفحة الثالثة والأربعين‬
‫«لكنها لم تنس التأكيد على الشموع البيضاء»‪ ،‬في حين‬
   ‫ترسخ في ذهن الزوج وجود شمعة وحيدة صفراء‬
 ‫كما يرد في النص «وإعادة الشمعة الصفراء السخيفة‬
   111   112   113   114   115   116   117   118   119   120   121