Page 139 - ميريت الثقافية رقم (27)- مارس 2021
P. 139
137 تجديد الخطاب
حياة الفقراء بين ممارسة السلب حيث إن مصر تحت الحكم الحناء والوشم .هذا فيما كان
والنهب؛ للحصول على قوتهم ،أو المملوكي كانت مجتم ًعا طبقيًّا، بعض النسوة يذه ْب َن لل ُمزين ،أو
لكل طبقة فيه خصائصها التي يأتي لبيوتهن بنفسه؛ لتزيينهن
الاتجاه للزهد في الحياة وحياة تختلف عن الأخرى ،فهناك طبقة كما يخبرنا المؤرخ المغربي ابن
التقشف ،تلك الحياة التي ش َّجعها الحكام ،وهم من المماليك وهم
أجناس مختلفة من (الشركس، الحاج ( ،)1336 -1250وقد
السلاطين والحكام. والألبان ،واليونان ،والترك)، أثار هذا الفعل من النساء غضب
ولذلك فتواز ًيا مع حياة الترف وكان لهم النصيب الأكبر من رجال الدين ،ومنهم ابن الحاج،
الذي طالب بمنعهن من الخروج
والمبالغة في المظهر السابقة المال والجاه ،وطبقة «علماء للمزين ،ورأيه أن ذلك« :معصي ٌة
الذكر؛ فقد انتشرت في مصر الدين» ،والذين لعبوا دو ًرا مه ًّما كبرى منهما ،لأن فيه خرو ًجا على
كذلك ظاهرة التصوف التي تدعو في المجتمع المصري ،وكان لهم
للتقشف والزهد في الحياة ،ولبس المز ّين واستمتا ًعا له بها إذ إ َّنه
الخشن من الملابس ،ورغم أن تأثير كبير على العامة ،وكان يباشر بيديه خ َّديها وشفتيها..
التصوف كان قد دخل إلى مصر لهم كذلك من المال والجاه ح ٌّظ، ويتعيَّن عليها أن لا تقف بين
في القرن الثالث عشر الميلادي وطبقة التجار تلي طبقة العلماء،
قاد ًما من المغرب والأندلس؛ إلا أنه بينما يح ُّل عامة الشعب في آخر يديه ،كما اعتاده بعضه َّن في
سيشهد انتشا ًرا واس ًعا في عهد هذا الوقت من خروجه َّن عليه
الدولة المملوكية ،فبنى السلاطين السلم ،والذين عاشوا حياة بالثّوب القصير دون ال َّسراويل»،
(الزوايا ،والخوانق ،والروابط)، من الفقر والبؤس رغم عطف والسروايل كلمة أصلها فارسي،
وأغدقوا عليها الأوقاف ،لتحل بعض الحكام والسلاطين عليهم وانتشر ارتداؤها بين النساء
محل المدارس بشكل كبير ،وكان بتوزيع الأموال والهدايا في فترات تحت ملابسه َّن مع دخول الفرس
ذلك خصو ًصا بسبب انتشار النكبات والمجاعات ،وتراوحت للإسلام؛ بغرض الحشمة(.)4
الفقر بين العامة ،والاضطرابات
السياسية ،والفتن ،كما كان
للأوبئة والمجاعات وخصو ًصا
الطاعون الذي ضرب البلاد في
تلك الفترة دو ًرا كبي ًرا في ذلك.
يقول ابن بطوطه الذي زار عدد
من الزوايا في تلك الفترة« :أما
الزوايا فكثيرة ،وهم يسمونها
الخوانق ..والأمراء بمصر
ينافسون في بناء الزوايا ،وكل
زاوية بمصر معنية لطائفة من
الفقراء»(.)5
كان الطاعون -الذي وصل إلى
مدينة الإسكندرية في عام ،1348
ثم إلى معظم المحافظات ،ليصل
لأقصى درجات نشاطه في
عام -1473من أهم العوامل
التي أعادت النساء لمنازل ِه َّن،
وغيَّرت من عادات ِه َّن وسلوك ِه َّن
الاجتماعي ،على أثر ما خلَّ َفه
الطاعون من وفيات تجاوز
ملابس النساء والرجال في العصر المملوكي في مصر