Page 135 - ميريت الثقافية رقم (27)- مارس 2021
P. 135

‫تؤكد المخطوطات أن طاليسبدأ التفكير‬                                                ‫بول تيليتش‬
     ‫النظري بعد زيارته لمصر‪ ،‬وتأثر بالحقائق‬
    ‫الهندسية التي تعلمها هناك‪ ،‬كذلك تأثر‬                                  ‫بأن اليونان كانت أمة طموحة‬
                                                                       ‫قبلت أن تنسب إليها علوم ليست‬
       ‫كل من انكسيمانس وانكسيمندريس‬
‫بالتعاليم المصرية؛ لكنهم توسعوا بمفهوم‬                                   ‫لها‪ ،‬لتكون هي الأعظم في أعين‬
‫"المادة الأولى" التي وصفها المصريون لتفسير‬                                ‫البدائيين‪ ،‬لكن هذا لا يمنع ولا‬
                                                                        ‫يمحو أن «أيونيا» اليونانية كانت‬
    ‫الظواهر الفيزيائية‪ .‬وانكسيمندريس هو‬                                   ‫قلعة من قلاع النظام المصري‪.‬‬
 ‫من نصح فيثاغورس بزيارة مصر‪ ،‬وأن ما أخذه‬                                 ‫وبدورنا ‪-‬أخي ًرا‪ -‬نشير إلى ما‬
                                                                          ‫ورد في كتاب جان بيير فرنان‬
  ‫فيثاغورس عن المصريين هو ما يعد دعامة‬
                ‫أساسية للفكر اليوناني بأسره!‬                                ‫«أصول الفكر الشرقي» بأن‬
                                                                           ‫حل رموز الألواح المسنية قد‬
  ‫والدمار‪ ،‬وبعد دراسة وتحليل؛‬         ‫بعض الأحيان؛ فقد التجأ بعض‬         ‫أظهر تقار ًبا بين العالم اليوناني‬
    ‫تبين «برستد» أن السلاح قد‬       ‫«الفلاسفة الوجوديون» في الغرب‪،‬‬      ‫وممالك الشرق الأدنى المعاصرة‬
      ‫تم اختراعه قبل أن تخترع‬                                             ‫له‪ ،‬إلا أن الصورة التي تطلعنا‬
     ‫الأخلاق بزمن ليس قصي ًرا‪،‬‬          ‫وبعد «الحرب العالمية الثانية»‬   ‫عليها «الإلياّذة» تعبر عن مجتمع‬
                                      ‫إلى البحث عما يسمى (بالوجود‬           ‫حديث يكتشف نفسه‪ ،‬وكأن‬
 ‫وأن الأخلاق منشأها كان أرض‬            ‫الأصيل)‪ ،‬بحثًا وتطل ًعا إلى حل‬  ‫«الإلياذة» تمثل قطيعة معرفية مع‬
 ‫وادي النيل‪ .‬ونحن قد لاحظنا أن‬                                           ‫حضارتهم المسينية‪ ،‬وتشير إلى‬
                                         ‫جذري يخلصهم من الشعور‬         ‫عصر أكدت فيه الإغريقية نفسها‪،‬‬
   ‫هناك حاج ًزا نفسيًّا بيننا وبين‬   ‫بالقلق‪ ،‬والخوف من الموت‪ .‬ولأن‬         ‫وهو عصر التنوير الذي ثبت‬
    ‫الفلسفة‪ ،‬لدرجة أن الكثير منا‬    ‫الأصالة بالنسبة للأوروبين تتمثل‬      ‫أنه عصر اتصالهم بالحضارات‬
  ‫بات يكرهها‪ ،‬وينكرها‪ ،‬ويسخر‬        ‫في الحضارة اليونانية؛ فتمثل ذلك‬
    ‫من دارسيها‪ .‬ومحاولة إثبات‬                                                                ‫الشرقية‪.‬‬
  ‫الأصل المصري للفلسفة ليست‬             ‫«الوجود الأصيل» في الرجوع‬
   ‫مدفوعة بشعور وطني ساذج‪،‬‬               ‫إلى جذور الفلسفة اليونانية؛‬    ‫لماذا نفند أو ندحض؟‬
‫فلسنا مهووسين بالبحث عن ذات‬           ‫تلك المتمثلة في فلسفة الطبيعيين‬
  ‫مفقودة‪ ،‬أو باستعادتها من بين‬        ‫الأيونيين‪ ،‬الذين يمثلون المرحلة‬         ‫إن ما أسلفناه ليس دعوة‬
 ‫أطلال الماضي‪ .‬بل إننا مدفوعون‬        ‫الأولى للفكر الفلسفي اليوناني‪.‬‬     ‫لصراع أو اتهام أو قيام حرب؛‬
  ‫برغبة في النهضة والتغيير‪ ،‬وفي‬       ‫وقبل «الوجوديين» ومحاولتهم‪،‬‬         ‫فكل هذه الوقائع صارت مل ًكا‬
  ‫الصحوة والانتماء‪ ،‬وفي تطوير‬             ‫وبعد انتهاء «الحرب العالمية‬     ‫لتاريخها السحيق؛ لكن البحث‬
    ‫وعينا النقدي‪ ،‬وفي البحث عن‬      ‫الأولى» قام «هنري برستد» مؤلف‬      ‫عن الجذور قد يكون ضرورة في‬
  ‫أدواتنا القديمة؛ التي قد تشترك‬        ‫كتاب «فجر الضمير» بالبحث‬
                                      ‫ذاته‪ ،‬فنزل إلى مصر عام ‪،1914‬‬
               ‫في إنتاج المستقبل‬         ‫وأنفق ألف ألف جنيه‪ ،‬باحثًا‬
                                        ‫عما ينقذ الإنسانية من العنف‬
   130   131   132   133   134   135   136   137   138   139   140