Page 131 - ميريت الثقافية رقم (27)- مارس 2021
P. 131

‫‪129‬‬  ‫تجديد الخطاب‬

                        ‫المجرد؟‬          ‫هذه الاختراعات النادرة؛ أكثر‬      ‫الفيلسوف اليوناني «أرسطو»‪،‬‬
   ‫يدعي بعض المؤرخين أن الفكر‬             ‫ما ترجعه لاختراعات جديدة‬             ‫بعد أن ساعده «الإسكندر‬
‫الفلسفي الخالص لم يكن موجو ًدا‬        ‫متوازية ومستقلة تظهر في ثقافة‬                 ‫المقدوني»‪ ،‬ومهد له‪.‬‬
    ‫في الحضارة المصرية القديمة‪،‬‬          ‫منفصلة‪ .‬ولا بد من أن يكون‬
                                        ‫في «الانتشار» جانب (مرسل)‪،‬‬          ‫ركيزة الدحض‬
      ‫وأن الفكر في هذه الحضارة‬            ‫وجانب ( ُمستقبِل) للعناصر‬
       ‫لم يكن سوى تصورات في‬            ‫الثقافية القابلة للانتشار‪ ،‬ودور‬   ‫يتلمس الدكتور «حسن طلب» ما‬
 ‫«الدين»‪ ،‬تخدم الإنسان وتوجهه‬        ‫الجانب (المستقبل) غالبًا ما يكون‬     ‫في «نظرية المعجزة» من دعاوى‬
    ‫في سلوكه‪ ،‬وفي طرقه للعيش‪.‬‬        ‫الأهم؛ فلا يكون هناك أي إعجاز‪،‬‬
      ‫لكننا بالنظر الدقيق إلى كنه‬    ‫كل ما في الأمر أن هناك حضارات‬            ‫عنصرية‪ ،‬وتعصب‪ ،‬وجهل‬
      ‫هذا الفكر المصري؛ نجد أن‬         ‫قديمة أصلية ومركزية‪ ،‬متقدمة‬           ‫بالمحتوى الفكري لحضارات‬
       ‫المصريين القدماء قد آمنوا‬           ‫زمنيًّا‪ ،‬نشأت فيها العناصر‬     ‫الشرق؛ مما دفع به إلى الدخول‬
    ‫بوحدانية الطبيعة‪ ،‬وألوهيتها‪.‬‬       ‫الأساسية للحضارة الإنسانية‪،‬‬      ‫في مجال الأنثروبولوجيا؛ كي يجد‬
    ‫وكان الوجود عندهم (كائن)‪،‬‬        ‫ثم انتشرت هذه العناصر بطريقة‬       ‫تفسي ًرا لتفوق اليونان في الفلسفة‬
   ‫عاقل ومريد‪ ،‬ولم تكن الظواهر‬          ‫أو أخرى إلى مجتمعات أخرى‪،‬‬        ‫والتفكير النظري‪ ،‬وليبحث أي ًضا‬
‫الطبيعية سوى مرآة‪ ،‬يعكس عليها‬        ‫ومن الطبيعي أن يكون بعض من‬           ‫عن المنطقة التي يمكن أن تعزى‬
  ‫هذا الكائن إرادته‪ .‬وهذا الاعتقاد‬    ‫التطوير قد تم هنا أو هناك‪ ،‬لكن‬          ‫إليها نشأة الفلسفة منطقيًّا؛‬
 ‫جعلهم يكتشفون قانون «التغير»‬        ‫يبقى أصل واحد‪ ،‬ومصدر محدد‪،‬‬            ‫فعرض في هذا الصدد «نظرية‬
  ‫‪ ،Change‬بوصفه قانو ًنا يحكم‬         ‫ويكاد يتفق جمهور الانتشاريين‬       ‫الانتشارية» ‪Diffusionism‬؛ تلك‬
‫الوجود بانسجام تام؛ ومن الثابت‬       ‫على أنه ليس سوى «مصر»‪ .‬وعلى‬           ‫النظرية التي تقوم في صورتها‬
‫أن هذا القانون ‪-‬قانون «التغير»‪-‬‬          ‫ذلك فإن «نظرية الانتشارية»‬      ‫العامة على مقولة أساسية وهي‪:‬‬
‫لم يخرج عنه الفكر الفلسفي حتى‬           ‫تمثل الركيزة التنظيرية؛ والتي‬     ‫«إن ثقافة ما؛ لا تنمو ولا تتقدم‬
    ‫الآن‪ ،‬مهما اختلفت معالجاته؛‬         ‫يمكننا من خلالها إرجاع القيم‬
        ‫سواء أسماه «هرقليطس»‬               ‫الفلسفية اليونانية إلى أصل‬          ‫إلا بثقافة أخرى»‪ .‬كما تقر‬
‫(الصيرورة) في الفترة قبل الميلاد‪،‬‬                                            ‫نظرية «الانتشارية» بالندرة‬
‫أو أسماه «برجسون» (الديمومة)‬                ‫مصري‪ ،‬من دون تعصب‪،‬‬              ‫النسبية للاختراعات الجديدة؛‬
        ‫في مطلع القرن العشرين‪.‬‬         ‫ومن دون تجاهل أحد الجانبين‬          ‫من ثم فهي ترجع أوجه الشبه‬
  ‫الحقيقة أن البحث في «الطبيعة»‬        ‫المسؤولين عن تحقق الانتشار‪.‬‬         ‫بين الثقافات المختلفة؛ لانتشار‬
    ‫عند المصريين القدماء‪ ،‬لم يكن‬
   ‫منفص ًل عن البحث في الإنسان‬       ‫الفلسفة‬
   ‫والدين؛ بل وفي الفكر الشرقي‬       ‫المصرية‬
  ‫القديم بأسره‪ ،‬بل كانت المعرفة‬      ‫القديمة‬
        ‫بالطبيعة منب ًعا للقيم التي‬
      ‫استخدمها الإنسان وقتذاك‬            ‫هل كان‬
  ‫لاستكمال حياته؛ وعلى هذا فإن‬              ‫الفكر‬
‫الرأي القائل بأن أبحاث الفلاسفة‬
     ‫الطبيعيين الأوائل في اليونان‬        ‫المصري‬
  ‫تمثل معجزة أتت من العدم رأي‬        ‫القديم عمليًّا‬
  ‫متهافت‪ .‬فاليونانيون على الرغم‬
 ‫من بداهتهم العقلية لم يستطيعوا‬          ‫تطبيقيًّا‪،‬‬
                                        ‫خل ًوا من‬
                                         ‫التحليل‬
                                         ‫النظري‬
   126   127   128   129   130   131   132   133   134   135   136