Page 155 - ميريت الثقافية رقم (27)- مارس 2021
P. 155

‫‪153‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

    ‫لنصبح وكأننا أمام تدافع‬        ‫أخرى اليمين العربي وفرق‬            ‫هنا‪ ،‬مفادها أنه قد اعتبر‬
  ‫جديد في المشهد العربي بين‬      ‫الدين السياسي التي كرد فعل‬         ‫البعض المشروع الصهوني‬
   ‫تيار «الانسلاخ عن الذات»‬      ‫على «المسألة الأوروبية» أي ًضا‬   ‫تمث ًل للذات الأوروبية‪ ،‬وقدم‬
 ‫العربية‪ ،‬وما يقدمه من حجج‬        ‫تمترست حول الذات العربية‬         ‫خطاب الاستلاب الحالي لها‬
 ‫ومبررات تبرر هذا الانسلاخ‬                                          ‫وفق رطانة وديباجة ثقافية‬
                                   ‫القديمة‪ ،‬وخطاباتها التراثية‬    ‫تقوم على‪ :‬التقدمية والعلمانية‬
      ‫وفق رطانات وخطابات‬          ‫كنوع من الدفاع عن الوجود‬           ‫والليبرالية والديمقراطية‪..‬‬
     ‫متعددة معظمها رد فعل‬                                           ‫إلخ‪ ،‬ليظهر هنا أثر «المسألة‬
  ‫وتابع لـ»المسألة الأوروبية»‬                        ‫الذاتي‪.‬‬        ‫الأوروبية»( )�‪Post Euro‬‬
   ‫ومركزيتها وتعاليها‪ ،‬وعلى‬          ‫لكن كل من التيارين؛ أي‬        ‫‪ )pean Question‬المركزي‬
     ‫الجهة الأخرى يقف تيار‬        ‫«الاستلاب للآخر» الأوروبي‬      ‫و»علاقات الهوية» التي أعادت‬
  ‫كامن حول «استعادة الذات»‬           ‫الحديث و»التمترس حول‬        ‫تشكيلها في العالم كله‪ ،‬بوصف‬
 ‫العربية بعي ًدا عن ُعقد الماضي‬   ‫الذات» العربية التاريخية‪ ،‬لم‬      ‫متلازماتها وقيمها الثقافية‬
                                   ‫يقدم تصورات لـ»استعادة‬        ‫قي ًما أعلى‪ ،‬في مقابل دونية قيم‬
                ‫ومتلازماته‪.‬‬        ‫الذات» العربية عبر التمركز‬     ‫الذوات العالمية الأخرى ومنها‬
‫إذ تكمن أهمية هذه الدراسة في‬
 ‫التفرقة بين موضوع التطبيع‬              ‫حول «لحظتها الآنية»‬                    ‫الذات العربية‪.‬‬
‫السياسي القديم واشتراطاته‪،‬‬         ‫الثورية وقدرة هذه اللحظة‬          ‫إنما في السياق نفسه ترى‬
                                   ‫على تقديم «مفصلية ثقافية»‬
     ‫وبين مشروع الاستلاب‬                                               ‫الدراسة وجود فرضية‬
    ‫للآخر الصهيوني الجديد‪،‬‬            ‫جديدة الخطاب‪ ،‬تؤسس‬            ‫أخرى كامنة ومقابلة لتيار‬
 ‫الذي يقوم على الانسلاخ عن‬        ‫لبناء «تراكم حضاري» جديد‬       ‫«الاستلاب للآخر» وروايته في‬
   ‫الذات العربية‪ ،‬مع الإشارة‬                                     ‫المشهد العربي‪ ،‬وهذه الفرضية‬
  ‫للبديل الكامن الذي يأتي في‬         ‫يؤدي لـ»استعادة الذات»‬        ‫تقوم على وجود حالة كامنة‬
   ‫مواجهة هذا التيار ويسعى‬        ‫العربية لحيويتها الوجودية‪،‬‬         ‫وحاضرة في الوقت نفسه‬
  ‫لـ‪»:‬استعادة الذات» العربية‪.‬‬    ‫وربما تجديد الحالة الإنسانية‬        ‫لخطاب جديد يتشكل على‬
   ‫هذا وقد اتبعت الدراسة في‬                                         ‫مهل‪ ،‬يتماس مع «المفصلية‬
 ‫العموم المنهج التحليلي النقدي‬        ‫ككل بعدما تكلست كرد‬           ‫الثقافية» الجديدة والكامنة‬
‫الثقافي‪ ،‬الذي يقوم على محاولة‬        ‫فعل لـ»المسألة الأوروبية‬
‫قراءة الأنماط المحركة للأشياء‬                                           ‫التي صاحبت مشروع‬
‫والظواهر البشرية ومحدداتها‬                      ‫ومتلازماتها‪.‬‬         ‫الثورات العربية الجديدة‪،‬‬
   ‫الكامنة والظاهرة تاريخيًّا‪،‬‬    ‫خاصة بعد تيه الذات العربية‬       ‫ويتجاوز خطاب الاستقطاب‬
                                  ‫سياسيًّا بين اليمين واليسار‬        ‫حول «المسألة الأوروبية»‬
      ‫ومن ثم َتصور الأنماط‬                                           ‫ما بين اليسار والليبرالية‬
  ‫المستقبلية لها وطرح البدائل‬        ‫‪-‬والمؤسسة العسكرية في‬        ‫العربية من جهة‪ ،‬اللذان يقول‬
  ‫والسيناريوهات‪ ،‬التي يمكن‬            ‫العالم العربي‪ -‬فيما بعد‬    ‫بعضهما بـ»الاستلاب» للآخر‬
                                      ‫انطلاق الثورات العربية‪،‬‬          ‫الصهيوني في تصوراته‬
    ‫أن تكون موض ًعا لحراكها‬            ‫والذي يمكن أن يحسب‬         ‫«التقدمية» المزعومة‪ ،‬بوصفه‬
                  ‫وضبطها‪.‬‬            ‫أي ًضا على تبعات «المسألة‬       ‫تمث ًل او منتد ًبا عن الذات‬
                                    ‫الأوروبية»‪ ،‬حيث تاريخيًّا‬
   ‫ووفق هذا المنهج ومتطلباته‬          ‫تأسست فكرة «دولة ما‬                 ‫الغربية‪ /‬الأوروبية‪.‬‬
 ‫تناولت الدراسة الموضوع في‬          ‫بعد الاستتقلال» في الوطن‬       ‫وكذلك يتجاوز ذلك الخطاب‬
                                      ‫العربي في أواسط القرن‬
   ‫أربعة مباحث‪ ،‬هي أو ًل‪ :‬في‬     ‫الماضي‪ ،‬في سياق التحرر من‬            ‫الجديد والكامن من جهة‬
 ‫مفهومي الاستلاب والتطبيع‪:‬‬         ‫التمدد العسكري والاحتلال‬
 ‫الاعتراف بالآخر أم براويته!‬      ‫الأوروبي في القرن العشرين‬

                                                   ‫وما قبله‪.‬‬
   150   151   152   153   154   155   156   157   158   159   160