Page 160 - ميريت الثقافية رقم (27)- مارس 2021
P. 160

‫العـدد ‪27‬‬                              ‫‪158‬‬

                                ‫مارس ‪٢٠٢1‬‬                           ‫يعترف برواية الآخر التي‬
                                                                       ‫تزيح رواية العرب من‬
     ‫الثاني من القرن الجديد‪،‬‬       ‫رواية الذات ورواية الآخر‪،‬‬
‫لينتشر ويتوغل بين الأوساط‬         ‫هو تجاوز الاعتراف لمساحة‬      ‫أساسها رغم قبولهم التعايش‬
                                   ‫الصراع العربي الصهيوني‬            ‫وفق اشتراطات التطبيع‪.‬‬
     ‫الشبابية والنخب العربية‬     ‫فقط‪ ،‬بل تقديم «إسرائيل» في‬        ‫حيث «فى الوقت الذى كان‬
‫الحائرة‪ ،‬بعدما تعرضت معظم‬        ‫مضمون الخطاب عند يوسف‬                 ‫فيه العرب‪ ،‬بما فى ذلك‬
                                  ‫زيدان‪ ،‬وفي صريح الخطاب‬           ‫الفلسطينيون‪ ،‬ينتقلون من‬
   ‫النخب التقليدية وشعاراتها‬
‫للأزمة والتكسر أو العجز عن‬           ‫عند مراد وهبه‪ ،‬بصفتها‬        ‫روايتهم الأصلية إلى الرواية‬
                                   ‫التمثل لـ»الذات الأوروبية»‬          ‫الوسط‪ ،‬كان الحكم فى‬
   ‫الحركة‪ ،‬بعد انسداد المسار‬       ‫العليا‪ /‬المقدسة‪ /‬النموذج!‬
    ‫السياسي الذي وصلت له‬         ‫لتصبح هذه النقطة هي ذروة‬           ‫إسرائيل يبتعد فى الاتجاه‬
    ‫طموحات ثورة ‪ 25‬يناير‪،‬‬           ‫المعضلة التاريخية الكامنة‬       ‫المعاكس‪ ..‬اعتنق الحكم فى‬
‫وعجز معظم البدائل السياسية‬         ‫والأزمة بين الذات العربية‬     ‫إسرائيل وبلا مواربة الأفكار‬
                                                                  ‫المرجعية للحركة الصهيونية‬
        ‫التاريخية واحتراقها‪.‬‬         ‫و»المسألة الأوروبية»؛ إذ‬    ‫التى دعا إليها فى الثلاثينيات‬
 ‫كما أنه من وجهة نظر أخرى‬         ‫حاول يوسف زيدان ومراد‬
  ‫يعد «تيار الاستلاب للآخر»‬       ‫وهبة والكثيرون من الطبقة‬            ‫والأربعينيات من القرن‬
‫التمثل لحركة كبيرة‪ ،‬وتناقض‬         ‫الثقافية المصرية والعربية‪،‬‬     ‫الماضى زيف جابوتينسكى‪،‬‬
                                                                ‫وخلاصتها‪ :‬أنه لا مجال لدولة‬
    ‫رئيسي موجود وكامن في‬               ‫تعميم موضوع خطاب‬
     ‫الذات العربية منذ القرن‬       ‫الاستلاب‪ ،‬ليصبح النقاش‬            ‫عربية فى فلسطين بل إن‬
                                 ‫فلسفي عام حول قدرة الذات‬       ‫الدولة اليهودية يجب أن تقوم‬
 ‫الماضي‪ ،‬وتحدي ًدا بعد هزيمة‬    ‫العربية على الحياة أو فسادها‪،‬‬
               ‫عام ‪1967‬م‪.‬‬       ‫خاصة وأن الكثير منهم حاول‬          ‫على ضفتى نهر الأردن»(‪.)3‬‬
                                 ‫أن يقدم الحجج العامة لفساد‬      ‫وشتان بين الاعتراف بالآخر‬
 ‫حيث في العصر الحديث كان‬           ‫الذات العربية‪ ،‬وعجزها عن‬       ‫وبين الاعتراف بروايته‪ ،‬لأن‬
 ‫التدافع بين تيارين رئيسيين‬
                                      ‫تحقيق «تحديث ذاتي»‪.‬‬           ‫الاعتراف برواية الآخر في‬
      ‫في الحالة العربية‪ ،‬وهما‬      ‫وضرورة سحقها بوصفها‬              ‫حالة وجود الصراع يعني‬
  ‫تيار الإلحاق بالغرب وتبني‬         ‫الذات العاجزة‪ ،‬لصالح أن‬        ‫الهزيمة والتخلي عن رواية‬
  ‫مشروعه ولحظته التاريخية‬        ‫يتم إلحاقها بالذات الأوروبية‬   ‫الذات‪ .‬وقد رصدت الكثير من‬
   ‫كلية‪ ،‬وتيار التمترس حول‬                                       ‫الأقلام موضوع تبني زيدان‬
                                      ‫وإعادة إنتاج متلازمات‬      ‫للرواية الصهيونية‪ ،‬حين قال‬
    ‫الذات والقطيعة مع الآخر‬      ‫«المسألة الأوروبية» و ُعقدها‪،‬‬    ‫بعضهم‪« :‬والوقع أن زيدان‬
  ‫الغربي كلية‪ ..‬دون أن يظهر‬                                          ‫يكرر ن ًّصا حرفيًّا ما قاله‬
‫تيار فاعل يرتكز حول اللحظة‬           ‫بين اليمن واليسار وكل‬       ‫اليهود‪ ،‬وينوب عنهم فى قوله‬
                                     ‫الخطاب العبثي الذي يتم‬      ‫هنا فى مصر ومعهم الدكتور‬
        ‫الآنية للذات العربية‪.‬‬     ‫اجتراره منذ القرن الماضي‪.‬‬        ‫اليهودى‪ :‬موردخاى كيدار‬
   ‫كما سنجد أن تيار الإلحاق‬         ‫خطورة هذا التيار الثقافي‬       ‫الأستاذ بجامعة‪ :‬بار إيلان‬
                                     ‫الذي يمكن تسميته تيار‬       ‫الصهيونية‪ ،‬واليهودى‪ :‬إينال‬
       ‫بالغرب وتبني لحظته‬       ‫«الاستلاب للآخر»؛ أنه يستغل‬        ‫ياسيس مؤسس ما أسماه‪:‬‬
     ‫التاريخية‪ ،‬ظل كامنًا بعد‬     ‫التناقضات التي تراكمت في‬        ‫رابطة الدفاع عن اليهود»(‪.)4‬‬
‫هزيمة عام ‪1967‬م في مواجهة‬         ‫الحالة العربية‪ ،‬طوال القرن‬    ‫وأسوأ ما قدمه يوسف زيدان‬
   ‫تيار التمترس حول الذات‪.‬‬         ‫الماضي وفيما بعد الثورات‬         ‫ومراد وهبة‪ ،‬في موضوع‬
 ‫حيث اعتبر البعض أن هزيمة‬            ‫العربية الكبرى في العقد‬
    ‫مشروع الذات العربية في‬
   ‫تمثلها القومي‪ /‬الناصري‪،‬‬
      ‫لم تمثل هزيمة لتيارات‬
 ‫التحديث «الذاتي» الاشتراكية‬
‫والليبرالية والقومية فقط‪ ،‬إنما‬
   155   156   157   158   159   160   161   162   163   164   165