Page 232 - ميريت الثقافية رقم (27)- مارس 2021
P. 232

‫العـدد ‪27‬‬                          ‫‪230‬‬

                                       ‫مارس ‪٢٠٢1‬‬

‫الشركة التي اقتلعت منها‪ .‬وبدأت‬               ‫ورعدة وكأني وجدت كن ًزا‪.‬‬      ‫فيحكي عن التجربة الصعبة التي‬
   ‫أعمل صل ًحا مع ذاتي وأفهمها‬            ‫هذه الرسالة التي كتبها الإمام‬    ‫تعرض لها عام ‪ 2006‬في مجال‬
    ‫وأسامح حتى من سحقوني‪،‬‬
    ‫وأطلب من الله زيارة الأماكن‬              ‫القشيري في القرن الخامس‬          ‫عمله‪ ،‬فبعد أن اضطر لمغادرة‬
     ‫المقدسة وبالفعل قمت بالحج‬          ‫الهجري‪ ،‬وتحدث فيها عن أعلام‬          ‫الشركة التي كان يعمل بها إثر‬
                       ‫مرتين»‪.‬‬                                             ‫بيعها لشركة أجنبية كبرى‪ ،‬فكر‬
       ‫يستطرد يسري‪« :‬التجربة‬               ‫الصوفية‪ ،‬وعن علم التصوف‬           ‫في تأسيس شركة صغيرة مع‬
     ‫تبلورت أكثر عندما سافرت‬           ‫الذي بدأ في القرن الثاني الهجري‬    ‫مجموعة من الشركاء‪ ،‬وضع فيها‬
      ‫إلى الهند في بعثة للإشراف‬                                              ‫كل مدخراته وبذل جه ًدا كبي ًرا‬
  ‫الطبي على استيراد اللحوم بعد‬               ‫ومصطلحاته‪ ،‬أدخلتني عالمًا‬      ‫بدأت ثماره تلوح في الأفق‪ ،‬وفي‬
   ‫عودتي لعملي الحكومي‪ .‬كانت‬           ‫مسحو ًرا من الجمال والروحانية؛‬     ‫اللحظة نفسها فوجيء بضربة من‬
     ‫مدة الزيارة أربعة أشهر على‬         ‫تحت تأثير هذا السحر بدأت أقرأ‬       ‫الخلف حينما أصر الشركاء على‬
  ‫مرحلتين‪ ،‬اعتبرتها بمثابة عزلة‬                                           ‫إخراجه من تلك الشركة والانفراد‬
      ‫اختيارية‪ ،‬فقد كنا نعمل في‬           ‫بنهم شديد لأعرف هذا المجال‬      ‫وحدهم بالمكاسب المادية والمعنوية‬
  ‫مناطق ريفية هادئة‪ ،‬والهند من‬         ‫وأتعمق فيه عمليًّا‪ ،‬وربما كان ذلك‬
    ‫البلدان التي تمتلك ميرا ًثا من‬                                                           ‫التي تحققت‪.‬‬
   ‫الحكمة تستشعره عندما تقابل‬                    ‫تمهي ًدا لعودتي للشعر‪.‬‬    ‫«تعرضت لعملية سحق إنساني‪..‬‬
                                        ‫بدأت أقرأ لأعرف هذا المجال عن‬     ‫تما ًما كما يسحق مارد كبير طف ًل‪،‬‬
‫أي شخص هناك‪ ،‬لا تلتقيه وحده‬             ‫قرب‪ ..‬فقرأت «مدارج السالكين»‬
    ‫وإنما تقابل معه ميرا ًثا ثقافيًّا‬                                        ‫كانت من أصعب فترات حياتي‬
                                             ‫لابن القيم الذي يشرح فيه‬     ‫إنسانيًّا لدرجة أني كنت أمشي في‬
 ‫حضار ًّيا ثر ًّيا في جو غير عادي‪،‬‬          ‫كتاب الإمام الهروي «منازل‬     ‫شوارع القاهرة بلا هدف‪ ..‬أبكي؛‬
   ‫تتجاور فيه المساجد والكنائس‬             ‫السائرين»‪ ،‬ثم التفت لمؤلفات‬    ‫كنت أشعر أني خسرت المستقبل‪.‬‬
                                          ‫أبي حامد الغزالي في التصوف‪،‬‬
‫والمعابد الهندوسية‪ ،‬كل يبحث عن‬          ‫ومن ثم اتجهت للقراءات الحديثة‬       ‫ربما كانت تلك التجربة سببًا في‬
   ‫أصل الكون؛ عن الله‪ ،‬بطريقته‪.‬‬             ‫للأكاديميين فقرأت للدكتور‬     ‫التفاتي فيما بعد إلى القوة العظمى‬
                                          ‫أبو الوفا التفتازاني «مدخل إلى‬
    ‫أسأله‪ :‬متى عدت للشعر؟‬                 ‫التصوف»‪ ،‬الذي تتبع البدايات‬                  ‫التي تحكم الكون»‪.‬‬
                                             ‫التاريخية للتصوف وتأثير‬
  ‫فيقول‪ :‬بدأت أتفرغ قلي ًل لذاتي‪،‬‬         ‫الديانات الأخرى عليه‪ ،‬وكذلك‬            ‫تزامنت تلك الفترة مع‬
 ‫شعرت أن هناك أشياء افتقدتها‪،‬‬               ‫تأثير الفلسفة على التصوف‬            ‫اكتشاف «يسري» لعالم‬
                                         ‫الإسلامي‪ ،‬وقرأت لأحمد بهجت‬        ‫التصوف‪ ،‬فقد كان يصطحب‬
       ‫عدت لزيارة بلدتي «عزبة‬                ‫«بحار الحب عند الصوفية»‬         ‫زوجته خلال فترة إعدادها‬
      ‫المعاشات» بمركز اشمون‪-‬‬                ‫وغيره من الكتب‪ ،‬ثم اتجهت‬       ‫لرسالة الدكتوراه في الفلسفة‬
 ‫منوفية‪ ،‬بصفة منتظمة أسبوعيًّا‪.‬‬        ‫للبحث عن التصوف الآن فوجدته‬              ‫الإسلامية إلى دير الآباء‬
‫اكتشفت أن روحي ما زالت هناك‪،‬‬
‫وفهمت لماذا لم أحب القاهرة ‪-‬مع‬                ‫صار طقو ًسا تميل للشكل‬                      ‫الدومينيكان‪:‬‬
‫الاعتذار لكل القاهريين‪ -‬فقد كنت‬        ‫الاجتماعي أكثر منها للدين‪ ،‬تميل‬
  ‫بسبب طبيعة عملي أسافر كثي ًرا‬        ‫للولع بالكرامات والمظهر أكثر من‬     ‫«كانت زوجتي ت َّطلع على مراجع‬
‫خارج مصر وأقيم بفنادق فاخرة‪،‬‬                                                     ‫وكتب ومخطوطات تخص‬
   ‫وفي كان رحلة يحدث لي شيء‬               ‫ميلها لجوهر الأفكار الصوفية‬
  ‫غريب بعد أن أبقى هناك لأيام‪..‬‬              ‫لكبار شيوخهم‪ ،‬لذا اتجهت‬       ‫رسالتها‪ ،‬ولأن الدير يضم مكتبة‬
    ‫كانت تنتابني رغبة في البكاء‪،‬‬                                                ‫ثقافية كبيرة ومتنوعة كنت‬
                                         ‫لممارسة رياضات التصوف مع‬
                                       ‫نفسي‪ ،‬وساعدتني في الإقلاع عن‬        ‫أجلس للقراءة؛ هناك ولأول مرة‬
                                                                              ‫في حياتي ا َّطلعت على الرسالة‬
                                          ‫عاداتي السيئة ومنها التدخين‪،‬‬
                                              ‫كما استطعت عبور الفترة‬      ‫القشيرية‪ ،‬أصابتني دهشة عميقة‬

                                            ‫العصيبة التي عشتها بسبب‬
   227   228   229   230   231   232   233   234   235   236   237