Page 234 - ميريت الثقافية رقم (27)- مارس 2021
P. 234

‫العـدد ‪27‬‬                           ‫‪232‬‬

                                      ‫مارس ‪٢٠٢1‬‬

  ‫استدعيتها بألفة عجيبة‪ .‬الخبرة‬        ‫الأدوات كلها محفورة بذاكرتي؛‬        ‫كانت الكهرباء موجودة لكنها لم‬
    ‫والوعي جعلاها تخرج بشكل‬           ‫الناف واللانتوت والساقية‪ ،‬وأظن‬          ‫تكن قد انتشرت بشكل كاف‪.‬‬
  ‫حقيقي‪ .‬وجاءت الأنسنة بشكل‬
                                        ‫الفنون عمو ًما لها دور في حفظ‬       ‫وبذلك رأيت شخصيات متنوعة‬
  ‫تراكمي تلقائي‪ ،‬فقد شاهدت في‬          ‫الذاكرة التراثية‪ .‬لكن بالنسبة لي‬    ‫عن قرب حفرت في ذاكرتي فهي‬
    ‫طفولتي أمي وخالاتي وكبار‬          ‫لا يحدث ذلك عن قصد‪ .‬أنا أكتب‬
                                                                             ‫شخصيات حقيقية فع ًل‪ ،‬لكني‬
  ‫السن يكلمون الأشياء‪ .‬شاهدت‬              ‫بتلقائية شديدة؛ الشخصيات‬          ‫حين أكتبها أغير الأسماء عادة‪،‬‬
  ‫أمي تكلم «المصبة» وهي تصنع‬               ‫والأدوات والحالات تتداعى‬
 ‫بها «البتاو» في الفرن‪ ،‬وشاهدتها‬                                               ‫وقد أغير بعض مصائرها أو‬
                                                              ‫تلقائيًّا‪.‬‬          ‫اختار زاوية ما لمعالجتها‪.‬‬
       ‫تضع على رأس الجاموسة‬
‫الجديدة بعض الدقيق وتمر بيدها‬              ‫سألته عن قدرته اللافتة‬              ‫أما عن المفردات التي لها‬
                                           ‫على أنسنة الأشياء «كان‬          ‫علاقة وثيقة بالريف المصري‬
  ‫عليها برفق وتقول‪« :‬ربنا يخبز‬          ‫حطب القطن بيتحاسب‪،»..‬‬             ‫وبالزراعة التقليدية القديمة‪..‬‬
         ‫لنا العيش في وجودك»‪.‬‬
                                            ‫«القلة» التي «تغني في‬               ‫وهل يقصد تضمينها في‬
    ‫شعرت بحميمية بين الجدات‬                ‫الشبابيك» والدار «ماتت‬          ‫قصائده ؟ وهل يمكن للشعر‬
         ‫والأمهات وبين الأشياء‬            ‫يا ولداه»‪« ،‬ودفنا التوتة‬
                                         ‫وراجعين»‪ ..‬وهل ساعدت‬                     ‫أن يمثل ذاكرة الثقافة‬
‫والحيوانات‪ .‬شاهدت أبويا وكأنه‬            ‫الفترة التي ابتعد فيها عن‬                           ‫الشعبية؟‬
 ‫يكلم البذور التي زرعها وينتظر‬        ‫الريف في رؤيته بصورة أكثر‬
‫متى تشق الأرض‪ ،‬سمعت عن عم‬              ‫حميمية والانتباه لتفاصيله‬            ‫فيروي صاحب «باعيش عجوز‬
 ‫«علي أبو بلاش» في إحدى القرى‬                                               ‫وباموت صبي» كيف عاش آخر‬
‫المجاورة‪ ،‬والمحراث يشق الأرض‬                            ‫الصغيرة؟‬             ‫العهد بالزراعة التقليدية‪ ،‬مثلما‬
                                                                          ‫عاصر آخر لقطة في زمن الوسايا‪:‬‬
      ‫بحثًا عن «خلفة البطاطس»‪،‬‬               ‫فأجاب‪ :‬عندما ابتعدت عن‬       ‫«أذكر أنني اشتغلت وأنا في الثانية‬
‫فيسأل إحداها التي لم تنتج شيئًا‬            ‫القرية شفت الأشياء بشكل‬        ‫عشرة بالمحراث البلدي‪ ،‬وحرست‬
                                       ‫أعمق‪ ..‬وعندما عدت لاستدعائها‬
    ‫«فين ولادك؟»‪ .‬الأنسنة كانت‬                                                ‫الساقية حتى أضمن استمرار‬
            ‫شيئًا عاد ًّيا وشائ ًعا‪.‬‬                                        ‫دورانها وتدفق الماء للغيط‪ ،‬هذه‬

    ‫الفلاح الذي عاصرته لم يعد‬
   ‫موجو ًدا الآن‪ ..‬كل شيء صار‬
 ‫ميكانيكيًّا‪ .‬والعلاقة بين الإنسان‬

      ‫والأرض افتقرت للحميمية‬
      ‫واختفى التفاعل بين الفلاح‬

                      ‫وأشيائه‪.‬‬

       ‫رغم براعته في اختيار‬
   ‫مفرداته وحداثية معالجته‬
   ‫لكثير من الموضوعات التي‬
  ‫تبدو تقليدية؛ اختار يسري‬
‫زكي أن يكتب شعر التفعيلة‪..‬‬
‫سألته عن سبب هذا الاختيار‬
  ‫ورأيه في قصيدة النثر وهل‬
‫يمكن أن يعبر من خلالها عن‬

                     ‫أفكاره؟‬
   229   230   231   232   233   234   235   236   237   238   239