Page 233 - ميريت الثقافية رقم (27)- مارس 2021
P. 233

‫كانت زوجتي ت َّطلع على مراجع وكتب‬
 ‫ومخطوطات تخص رسالتها‪ ،‬ولأن الدير‬

      ‫يضم مكتبة ثقافية كبيرة ومتنوعة‬
‫كنت أجلس للقراءة؛ هناك ولأول مرة في‬

   ‫حياتي ا َّطلعت على الرسالة القشيرية‪،‬‬
   ‫أصابتني دهشة عميقة ورعدة وكأني‬
   ‫وجدت كنًزا‪ .‬هذه الرسالة التي كتبها‬

      ‫الإمام القشيري في القرن الخامس‬
         ‫الهجري‪ ،‬وتحدث فيها عن أعلام‬

‫الصوفية‪ ،‬وعن علم التصوف ومصطلحاته‬

    ‫لعبتان يعرفهما أطفال الريف‬            ‫ونشرت ديواني الأول «بيان‬     ‫حتى أن زميلي بالغرفة كان دائ ًما‬
   ‫خاصة اللعبة الثانية التي كانت‬           ‫حالة» عام ‪ ،2018‬ثم صدر‬                ‫يقول لي «إنت فقري»!‬
                                        ‫مؤخ ًرا ديواني الثاني «باعيش‬
     ‫تعتمد على معرفة دور القرية‬                                            ‫بعد فترة وفي مرحلة النضج‬
  ‫باللمس فقط مع إغماض الأعين‪.‬‬                 ‫عجوز وباموت صبي»‪.‬‬              ‫اكتشفت أنه إحساس عميق‬
                                                                             ‫بالغربة‪ ..‬أنا الفلاح البسيط‬
      ‫المشاهدة حفرت في ذاكرتي‬           ‫في «بيان حالة» بدأ يسري‬           ‫الذي يريد أن يخلع كل مظاهر‬
   ‫ملامح الشخصيات‪ ،‬التي كنت‬            ‫زكي رسم ملامح شخصيات‬                 ‫الحضارة الكاذبة‪ ،‬مع البدلة‬
‫أراها في الغيطان المتجاورة‪ ،‬وكان‬
  ‫عندنا نظام يسمى «الزمال»‪ ،‬أي‬             ‫بعينها لكل منها طبيعة‬               ‫والكرافت التي يجبر على‬
  ‫أننا كنا نتبادل العمل في غيطان‬           ‫وسمات دقيقة تميزها‪..‬‬            ‫ارتدائها‪ ..‬ويبقى على طبيعته‬
‫بعضنا للمساعدة؛ ففي ذلك الوقت‬          ‫وتوسع أكثر في هذا الاتجاه‬
 ‫لم تكن العمالة المأجورة معروفة‬       ‫في ديوانه الثاني‪ .‬سألته هل‬                   ‫يجلس حول الطبلية‪.‬‬
  ‫إلا في «الوسية»‪ ،‬وبالمناسبة فقد‬    ‫تلك الشخصيات واقعية تما ًما‬          ‫لم أسترح إلا عندما عدت لتلك‬
‫عاصرت نهاية الوسايا عندما قام‬          ‫أم أنه يكمل ملامحها أحيا ًنا‬    ‫الحياة وقعدت نفس القعدة‪ ..‬كان‬
   ‫«محروس أفندي» ناظر العزبة‬
 ‫المجاورة بشراء وسية «إسماعيل‬                       ‫عبر التخييل؟‬                        ‫ذلك في ‪.2017‬‬
 ‫بيه» وكانت مساحتها تقريبا ‪70‬‬                                            ‫وبالتزامن مع تلك العودة عدت‬
   ‫فدا ًنا‪ ،‬فغيَّر اسمها وغير طبيعة‬        ‫فقال‪ :‬عشت معظم طفولتي‬          ‫للقراءة والكتابة على استحياء‪،‬‬
 ‫العمل بها إلى شكل أكثر إنسانية‪.‬‬       ‫مشاه ًدا؛ لم أشارك بفاعلية مثل‬     ‫من النقطة نفسها التي توقفت‬
  ‫هذه التجارب جعلتني أشاهد في‬        ‫بقية الأطفال في الألعاب والأنشطة‬
‫الغيطان شخصيات كثيرة متباينة‪،‬‬                                               ‫عندها عام ‪ .1994‬وشجعني‬
  ‫وكذلك حكايات السمر لي ًل‪ ،‬وما‬           ‫المختلفة‪ .‬المشاهدة حفرت في‬     ‫اتصالي بالشعراء والمثقفين عبر‬
 ‫تحمله من أسرار وتفاصيل‪ ،‬فقد‬            ‫ذهني تفاصيل الأشياء‪ .‬أهديت‬
                                     ‫ديواني الثاني لأبي وأمي وللعبتي‬        ‫الفيسبوك على الاستمرار في‬
                                      ‫«طيروا»‪ ،‬و»دار مين دي»‪ ،‬وهما‬        ‫الكتابة‪ ،‬فالاحتكاك يولد شحنة‬
                                                                       ‫محرضة على الإبداع‪ .‬أخذت أنشر‬
                                                                         ‫على صفحتي قصيدة أسبوعيًّا‪،‬‬
                                                                       ‫كل يوم جمعة‪ ،‬وازداد التفاعل مع‬
                                                                         ‫ما أكتب حتى تراكمت القصائد‬
   228   229   230   231   232   233   234   235   236   237   238