Page 236 - ميريت الثقافية رقم (27)- مارس 2021
P. 236

‫العـدد ‪27‬‬                                            ‫‪234‬‬

                                                                                                           ‫مارس ‪٢٠٢1‬‬

   ‫في ديوان «باعيش‬
  ‫عجوز وباموت صبي»‬

                                                       ‫عمر شهريار‬

‫الانتماء للماضي والبكاء‬
 ‫على فردوسه المفقود‬

  ‫ماضي المجتمع الريفي وانتمائه‬         ‫للذات منذ عنوان الديوان‪ ،‬إذ‬      ‫يبدو ديوان «باعيش عجوز‬
   ‫للطبيعة‪ ،‬هذا المثلث الذي تنتمي‬   ‫تتجاذب الذات بين ثنائية الحياة‬
  ‫له الذات الشاعرة‪ ،‬ولا تكف عن‬                                         ‫وباموت صبي»‪ ،‬الصادر حديثًا‬
                                      ‫والموت (باعيش‪ -‬باموت) وفي‬       ‫عن الهيئة المصرية العامة للكتاب‪،‬‬
    ‫استحضاره بوصفه فردو ًسا‬            ‫الوقت نفسه ثنائية (عجوز‪-‬‬
     ‫مفقو ًدا‪ ،‬لكنه حاضر دو ًما في‬                                       ‫للشاعر يسري زكي‪ ،‬مسكو ًنا‬
‫النقطة الأعمق في وعيها وتكوينها‬      ‫صبي)‪ ،‬فض ًل عن المفارقة التي‬     ‫باستعادة الماضي وإعادة مركزته‬
‫النفسي‪ ،‬فمثلث (الماضي‪ /‬القرية‪/‬‬      ‫تنجم عن ارتباط العيش بالعجز‬        ‫بوصفه فردو ًسا مفقو ًدا‪ ،‬وتبدو‬
     ‫الطبيعة) لم يمت تما ًما‪ ،‬رغم‬     ‫والشيخوخة‪ ،‬في مقابل ارتباط‬
    ‫غيابه الواقعي‪ ،‬إذ يعيش حياة‬                                         ‫الذات الشاعرة دائ ًما متأرجحة‬
 ‫أخرى داخل الذات‪ ،‬ويسكن تحت‬                 ‫الموت بالصبا والشباب‪.‬‬      ‫بين ثنائيات تتجاذبها‪ ،‬إذ تعيش‬
  ‫جلدها‪ ،‬فنرى الشاعر في قصيدة‬       ‫تبدو الذات الشاعرة منشغلة‪ ،‬بل‬
     ‫«استراحة قبل البداية»‪ ،‬أولى‬                                         ‫دو ًما على التخوم بين مكانين‬
                                     ‫ومسكونة‪ ،‬بحالة النوستالجيا‪.‬‬        ‫وزمانين‪ ،‬زمان ومكان تتواجد‬
          ‫قصائد الديوان‪ ،‬يقول‪:‬‬         ‫ذات يملؤها الحنين للماضي‬        ‫فيهما الذات لكنهما لا يتواجدان‬
      ‫كان حطب القطن بيتحاسب‬               ‫وتفاصيله‪ ،‬ماضي القرية‬        ‫فيها‪ ،‬تعيش فيهما مرغمة‪ ،‬وعلى‬
      ‫ويبات فرحان بدخوله النار‬                                          ‫عكس إرادتها التي تنحاز لمكان‬
‫علشان هيكون له نصيب من جنة‬           ‫تحدي ًدا‪ ،‬حيث البراءة والطفولة‪،‬‬     ‫وزمان آخرين مضادين لهما‪،‬‬
                                      ‫والأهم الفطرة والبساطة التي‬
                          ‫ستي‬           ‫تناسب المجتمع الريفي‪ ،‬بكل‬         ‫فالذات موزعة بين ما تنتمي‬
                   ‫في خبيز الدار‬                                        ‫لها بحكم الواقع الضاغط الذي‬
 ‫وساعات كان ضل التوتة بيهرب‬             ‫تماهيه مع الطبيعة‪ ،‬ومن ثم‬     ‫يفرض قوانينه واشتراطاته‪ ،‬وما‬
                                      ‫تسعى الذات دو ًما‪ ،‬وعلى مدار‬     ‫تنتمي له بحكم الرغبة والتناغم‬
                                      ‫الديوان كله تقريبًا‪ ،‬لاستعادة‬    ‫والانسجام‪ ،‬ويتجلى هذا التوزع‬

                                         ‫تلك اللحظة القديمة‪ ،‬لحظة‬
   231   232   233   234   235   236   237   238   239   240   241