Page 238 - ميريت الثقافية رقم (27)- مارس 2021
P. 238

‫العـدد ‪27‬‬                            ‫‪236‬‬

                                    ‫مارس ‪٢٠٢1‬‬

                   ‫«عبر بالرسم‬      ‫السيبراني (الراوتر) «حشر العالم‬                    ‫والباقي من قطنك‬
 ‫عن مهرة بتحلم بضفاير‪ ،‬وجراح‬           ‫في الأوضة»‪ ،‬بما تحمله مفردة‬                  ‫اللي اتفرش ع الجرح‬
                                          ‫«حشر» من خشونة وإكراه‬
                         ‫بتطيب‬            ‫وعنف‪ ،‬وأصبح العالم غرفة‬                         ‫النازف الواجع‬
               ‫عن حضن غريب‬                                                             ‫واللمة في الشارع‬
     ‫قابل في الغربة خيال لحبيب‬      ‫صغيرة‪ ،‬وليس فقط قرية صغيرة‪.‬‬                      ‫بعد الصلاة في العيد‬
     ‫عن شكل العالم وأنت صغير‬          ‫وإذا كان الإنسان نفسه انحشر‬                    ‫والحضرة والقداس‬
         ‫عن شكل العالم لما تغير‬           ‫في غرفة‪ ،‬فإن كل ما يرتبط‬                   ‫والشرشرة والفاس‬
                ‫بقى شبه الديب»‬          ‫به وينتمي له من قيم انحشر‬                       ‫والفرن لو والع»‬
‫في هذا المقطع تتكشف حالة الغربة‬        ‫معه‪ ،‬مثل «الثورات والحوارات‬        ‫تنتقل الذات الشاعرة من وصف‬
    ‫والاغتراب التي تعانيها الذات‬         ‫والشعارات»‪ ،‬ومن ثم أصبح‬               ‫الماضي وروعته إلى وصف‬
 ‫الشاعرة في واقعها‪ ،‬حيث لم تعد‬          ‫الاتصال بين البشر افتراضيًّا‬     ‫الحاضر‪ /‬الحضارة‪ ،‬وما انتابهما‬
‫تنتمي لها الواقع والعالم‪ ،‬ومن ثم‬     ‫عبر الراوتر والإنترنت‪ ،‬ومات في‬           ‫من تفسخ‪ ،‬وهذا ما نراه في‬
‫تسعى لاستعادة العالم الآفل الذي‬                                               ‫قصيدة «الراوتر»‪ ،‬إذ يقول‪:‬‬
   ‫كانت تنتمي له يو ًما ما‪ ،‬العالم‬  ‫المقابل التواصل الإنساني الفطري‬        ‫الراوتر حشر العالم في الأوضة‬
    ‫الذي رأته وعاينته في طفولته‪،‬‬         ‫والجسدي بكل ما يحمله من‬
  ‫تستعيده عبر رسمه على الورق‪،‬‬                                                                   ‫الثورات‬
    ‫ومقارنته بالعالم الراهن الذي‬    ‫حميمية وصدق‪ ،‬ومن ثم أصبحت‬                                ‫والحوارات‬
   ‫تغير و»بقى شبه الديب»‪ ،‬عالم‬           ‫هذه اللحظة الحضارية لحظة‬                            ‫والشعارات‬
 ‫متوحش ولئيم‪ ،‬ويتربص بالذات‬                                                                 ‫والموت الحي‬
                                     ‫«الموت الحي» و»الفرح الني» بكل‬            ‫والحزن المستوي في العتمة‬
                     ‫لافتراسها‪.‬‬        ‫ما تسكنه هذه الصيغ الوصفية‬                         ‫والفرح الني»‪.‬‬
    ‫ثمة آلية أخرى تعتمدها الذات‬        ‫من تناقضات دالة‪ ،‬وتتناغم مع‬             ‫في هذا المقطع الدال‪ ،‬تختار‬
  ‫الشاعرة لمواجهة توحش العالم‪،‬‬        ‫ثنائية الموت‪ /‬الحياة التي أشرنا‬     ‫الذات الشاعرة أكثر ما يعبر عن‬
  ‫وهي الاستعانة برموز الخير في‬          ‫لها ساب ًقا‪ ،‬بل إن الصورة هنا‬    ‫اللحظة الحضارية الراهنة‪ ،‬ممثلة‬
‫الأزمنة السابقة‪ ،‬وتحدي ًدا بالرموز‬     ‫تجاوزت فكرة أن الموتى أحياء‬           ‫في الراوتر‪ ،‬رمز حقبة ما بعد‬
     ‫الدينية‪ ،‬فنرى حضو ًرا كثي ًفا‬                                           ‫الحداثة‪ ،‬وما أحدثه في الوعي‬
     ‫للشخصيات والرموز الدينية‬       ‫والأحياء موتى‪ ،‬إلى أن الموت نفسه‬      ‫البشري من تحولات‪ ،‬عبر صور‬
  ‫من الأنبياء والأولياء في قصيدة‬    ‫أصبح حيًّا‪ .‬كما تبرز المفارقة بين‬    ‫شعرية رهيفة ومكثفة‪ ،‬فالحضور‬
  ‫«باعيش عجوز وبموت صبي»‪،‬‬           ‫«الحزن المستوي» و»الفرح الني»‪،‬‬
  ‫التي تبدأ بما يشبه البورتريه أو‬
‫البروفايل للذات الشاعرة وأزمتها‪،‬‬          ‫وكأنها شعار لهذه المرحلة‪.‬‬
                                    ‫وفي مقابل الواقع الافتراضي الذي‬
                         ‫يقول‪:‬‬
    ‫«مصري مواليد الشقا وطمي‬             ‫يخلقه «الراوتر» حاب ًسا العالم‬
                                       ‫في غرفة‪ ،‬تقترح الذات الشاعرة‬
                        ‫السنين‬        ‫واق ًعا افتراضيًّا آخر‪ ،‬لكنه واقع‬
            ‫ابن انتظار الفلاحين‬         ‫افتراضي تخلقه بنفسها وعلى‬
      ‫بازرع شبابي في ضحكتين‬
    ‫باعيش عجوز وباموت صبي‬                ‫يديها‪ ،‬لكنه هنا أقرب للواقع‬
                                    ‫المثالي الذي تتغياه الذات الشاعرة‪،‬‬
                     ‫قلبي بيوت‬
        ‫فيها مقام سيدنا الحسين‬          ‫يوتوبياها الخاصة التي تعجز‬
                                     ‫عن تحقيقها بشكل فعلي‪ ،‬فتخلقها‬
                    ‫روحي مدن‬
                                        ‫رس ًما‪ ،‬هر ًبا من الواقع الفعلي‬
                                     ‫والواقع السيبراني‪ ،‬وهو ما نراه‬
                                      ‫في قصيدة «حصة رسم»‪ ،‬حيث‬

                                                              ‫يقول‪:‬‬
   233   234   235   236   237   238   239   240   241   242   243