Page 237 - ميريت الثقافية رقم (27)- مارس 2021
P. 237

‫‪235‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫تحت الضوء‪/‬مقال‬

 ‫فيخاطب أحد رموز مثلث الماضي‬             ‫فالذات هنا‪ ،‬لا تطلب المدد من‬                         ‫من تحتيها‬
   ‫طالبًا منه الدعم لانتشال مثلث‬          ‫الأب الغائب فقط‪ ،‬بل تضيف‬             ‫ويلعب ويانا في ضل الدار»‬
     ‫الحاضر من عثرته وأوحاله‪،‬‬            ‫«ولسيدي ولسيدهم»‪ ،‬وكأنها‬           ‫وبغض النظر عن تكرار مفردة‬
                        ‫ويقول‪:‬‬       ‫سلسلة الأجداد كلها‪ ،‬وكأنها تريد‬         ‫«الدار» التي تبدو نتاج الإكراه‬
        ‫«قوم يا أمير من مشهدك‬         ‫الذهاب إلى أبعد نقطة في الماضي‪،‬‬       ‫الإيقاعي‪ ،‬فإن مثلث (الماضي‪/‬‬
                                          ‫مستعيدة علاقاتهم بالطبيعة‬        ‫القرية‪ /‬الطبيعة) يبدو حضوره‬
‫وارمي العباية ع الغلابة القلقانين‬        ‫والريف (النخل‪ ،‬البلح‪ ،‬عنبنا‪،‬‬      ‫باذ ًخا منذ المفردة الأولى (كان)‪،‬‬
          ‫من عتمة الليل اللي راقد‬    ‫عناقيدهم‪ ،‬مناقيدهم) بما تستدعيه‬       ‫التي تجعل الذات الشاعرة أشبه‬
         ‫وسطنا في نفس السرير‬                                                  ‫بحكاء شعبي يروى أساطير‬
          ‫لحد ما الموت يختشي»‪.‬‬              ‫من الطبيعة البكر والمجتمع‬        ‫الماضي‪ ،‬وكثي ًرا ما سنرى على‬
                                                     ‫الزراعي الريفي‪.‬‬          ‫مدار مفردة «كان» على مدار‬
  ‫فالأمير‪ ،‬سيدي شبل هنا‪ ،‬غائب‬                                              ‫الديوان بوصفها مفردة مركزية‬
  ‫لكنه ليس ميتًا‪ ،‬بل يعيش حياته‬       ‫وإذا كانت الذات لا تشعر بالحياة‬           ‫في النصوص كلها‪ ،‬ويتأتي‬
  ‫الخاصة داخل مشهده‪ ،‬ومن ثم‬           ‫سوى في الاتصال بالماضي‪ ،‬فإن‬            ‫حضور القرية عبر دوال مثل‬
   ‫تتوسل به الذات الشاعرة لينقذ‬       ‫سببًا وحي ًدا آخر –باستثناء مثلث‬          ‫«ستى» و»الدار» و»خبيز»‬
 ‫اللحظة الحاضرة ومن فيها‪ ،‬عبر‬                                            ‫بحمولاتهم الدلالية المنتمية للريف‪،‬‬
 ‫مجرد مسه لهم وإلقاء «العباية ع‬          ‫البكارة ذاك‪ -‬يقدر على منحها‬        ‫بينما تحضر الطبيعة عبر دوال‬
   ‫الغلابة القلقانين»‪ ،‬فالغلابة هنا‬     ‫الحياة‪ ،‬ويحولها من كائن ميت‬         ‫«حطب القطن» و»ضل التوتة»‪.‬‬
                                      ‫(يعيش في الماضي) إلى كائن حي‬       ‫مثلث (الماضي‪ /‬الريف‪ /‬الطبيعة)‬
    ‫علامة الحاضر بكل ما يعتريه‬          ‫(يعيش في الحاضر ولا ينفصل‬             ‫يبدو إذن طرف الثنائية‪ ،‬وفي‬
    ‫من قلق وعتمة وموت رمزي‪،‬‬             ‫عنه) هذا الباعث على الحياة هو‬       ‫المقابل فإن الطرف الآخر لهذه‬
    ‫والمفارقة أن من سيعيد بعثهم‬       ‫الحب‪ ،‬الذي يشير له في القصيدة‬           ‫الثنائية هو مثلث (الحاضر‪/‬‬
     ‫وانتشالهم من الموت والعتمة‬                                          ‫المدينة‪ /‬الحضارة) الذي تنفر منه‬
                                                               ‫ذاتها‪:‬‬    ‫الذات الشاعرة‪ ،‬فالمثلث الأول ميت‬
      ‫والقلق هو ذلك الأمير الميت‬            ‫«مدد لروح سلوى ولعنيها‬           ‫فعليًّا‪ ،‬لكنه لم يزل شا ًّبا ياف ًعا‬
           ‫جسد ًّيا والحي رمز ًّيا‪.‬‬       ‫مدد لضحك الوردة في إيديها‬       ‫وصبيًّا داخل الذات الشاعرة‪ ،‬إنه‬
                                                                           ‫الموت الصبي‪ ،‬في حين أن المثلث‬
  ‫تنتقل الذات من عمومية المقارنة‬             ‫ومدد لحب يحولك لحياة‬        ‫الثاني‪ ،‬الحاضر والحي‪ ،‬فإنه يبدو‬
        ‫بين لحظتين زمنيتين‪ ،‬إلى‬          ‫ومدد لإيد نامت في إيد الفاس‬      ‫عجو ًزا شائ ًخا‪ ،‬ووجوده في وعي‬
       ‫خصوصية الواقع المصري‬           ‫ومدد لعين ضمت عيون الناس»‪.‬‬           ‫الذات الشاعرة وجود باهت‪ ،‬بل‬
                                          ‫ففي هذا المقطع نجد مفردات‬         ‫وممجوج‪ ،‬لذا لم يكن مستغر ًبا‬
     ‫وتعينه‪ ،‬مخاطبًا مصر بشكل‬        ‫مرهفة وذات حمولات رومانسية‪،‬‬           ‫أن تطلب الذات المدد والعون من‬
 ‫مباشر في قصيدة «سيبي الطيور‬                                             ‫المثلث الأول‪ ،‬الذي تناجيه بوصفه‬
‫تحلم»‪ ،‬عبر آلية القسم‪ ،‬باستخدام‬            ‫كلها تتمركز حول سلوى‪/‬‬              ‫حاض ًرا وفاع ًل‪ ،‬كما نرى في‬
                                      ‫الأنثى‪ /‬الحبيبة‪ ،‬فالحب –كطبيعة‬
       ‫الوعي العامي‪ ،‬وليس فقط‬                                                             ‫قصيدة «مدد»‪:‬‬
   ‫اللغة العامية‪ ،‬فالغرض من هذا‬            ‫وفطرة أيضا‪ ،-‬قادر على أن‬       ‫«مدد لأبويا ولسيدي‪ ..‬ولسيدهم‬
   ‫«الاستحلاف» أن تمنح الطيور‬            ‫«يحولك لحياة»‪ ،‬في إشارة إلى‬
 ‫حرية الحلم‪ ،‬وتطلق سراحها من‬           ‫حالة الموات التى كانت مسيطرة‬             ‫النخل كان ياكل بلح إيدهم‬
  ‫محبسها الرمزي‪ ،‬فيعدد الأشياء‬           ‫قبل الحب وبعده‪ ،‬فيبدو الحب‬            ‫وعنبنا يطرح من عناقيدهم‬
   ‫التي يمكن أن يكون لها سطوة‬          ‫كعتبة مفصلية بين الحياة الحقة‬           ‫والسقعة تدفا من مناقدهم»‬
    ‫على الوطن‪ ،‬معتم ًدا على مفردة‬
‫«وحياة»‪ ،‬معد ًدا الكثير من المشاهد‬                           ‫والموت‪.‬‬
  ‫التي لا تزال ناصعة أو لها قيمة‬            ‫وتستمر الذات الشاعرة في‬
                                     ‫الاتصال بالماضي‪ ،‬لكن في قصيدة‬
     ‫في ظل الواقع المهترئ‪ ،‬يقول‪:‬‬       ‫«لسيدي شبل»‪ ،‬نجد هذه الذات‬
               ‫وحياة ولاد بطنك‬             ‫الشاعرة تدمج المثلثين م ًعا‪،‬‬
   232   233   234   235   236   237   238   239   240   241   242