Page 239 - ميريت الثقافية رقم (27)- مارس 2021
P. 239

‫‪237‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫تحت الضوء‪/‬مقال‬

     ‫نحن هنا أمام مشهد شعري‬         ‫والمدينة والإنجاز الحضاري‪ ،‬حتى‬                  ‫متحصنة بنور النبي»‬
    ‫بامتياز‪ ،‬فلا تستطيع أن تنزع‬        ‫نوم الشارع يبدو خشنًا وحا ًّدا‬         ‫فالقصيدة كلها تبدو كتميمة‬
   ‫جملة أو صورة وتتعاطى معها‬           ‫وف ًظا‪ ،‬ومفع ًما بالعتمة‪ ،‬في حين‬      ‫لطرد شرور العالم‪ ،‬تبدأ فيها‬
                                      ‫يبدو المستقبل أكثر قتامة «نهار‬      ‫الذات بتوضيح بؤسها وشقائها‪،‬‬
       ‫بمفردها بوصفها الصورة‬                    ‫متلصم وأمل كداب»‪.‬‬         ‫كعادة الوعي الشعبي الذي يؤمن‬
‫الجمالية‪ ،‬فالجمال يتوالد ويتنامى‬      ‫أحيا ًنا‪ ،‬ينفلت الشاعر من سلطة‬        ‫بأن «الشكوى رقوة»‪ ،‬فيتناص‬
                                      ‫الإيقاع الذي يستبد به‪ ،‬وسطوة‬           ‫مع هذا المثل تنا ًّصا خفيًّا على‬
    ‫مع كل سطر في المشهد‪ ،‬متكئًا‬                                            ‫مستوى بنية الوعي بالعالم‪ ،‬ثم‬
     ‫على تقنية السيناريو‪ ،‬محد ًدا‬    ‫الصور الجزئية وهيمنتها‪ ،‬متج ًها‬     ‫يستعين بـ»مقام الحسين» و»نور‬
                                      ‫إلى براح الصورة الكلية‪ ،‬والبنية‬    ‫النبي»‪ ،‬كما نجد بعد ذلك حضو ًرا‬
   ‫الزمان والمكان‪ ،‬في مشهد نهار‬                                              ‫لـ»كف موسى والمسيح» و»يا‬
    ‫خارجي واضح‪ ،‬وتتكرر هذه‬              ‫المشهدية‪ ،‬فتتأتى الشعرية من‬       ‫كف يوسف قربي» الذين تتوسل‬
   ‫البنية المشهدية كذلك‪ ،‬في مطلع‬           ‫المشهد كام ًل‪ ،‬من التركيب‬     ‫بهم الذات‪ ،‬وخاصة بالـ»كف»‪ ،‬ما‬
    ‫قصيدة «أنور هولاكو» بشكل‬                                             ‫يؤكد فكرة «الرقوة» أو كف الأذى‬
‫سردي مدهش‪ ،‬والذي ربما يكون‬             ‫المشهدي برمته‪ ،‬وهذا ما يتجلى‬
     ‫أقل جماهيرية وشعبية‪ ،‬لكنه‬            ‫على أنصع ما يكون مث ًل في‬                          ‫من الحساد‪.‬‬
 ‫‪-‬فيما أظن‪ -‬أكثر جما ًل وانحيا ًزا‬        ‫قصيدة «ضحكة هبة بياعة‬           ‫الذات الشاعرة المنتمية كليًّا لمثلث‬
‫لجوهر الشعر بوصفه خرو ًجا عن‬                       ‫الشاي»‪ ،‬إذ يقول‪:‬‬
                                                    ‫«كات ‪ 10‬الصبح‬           ‫(الماضي‪ /‬الريف‪ /‬الطبيعة) لا‬
                       ‫المألوف‪.‬‬               ‫والشارع مليان مواعيد‬         ‫تفتأ تعلن عن قبح المثلث المضاد‬
     ‫تتعد الضمائر التي اعتمدتها‬             ‫عديت من وسط دقيقتين‬            ‫(الحاضر‪ /‬المدينة‪ /‬الحضارة)‪،‬‬
  ‫الذات الشاعرة في إنتاج خطابها‬         ‫واقعين من ساعة من امبارح‬          ‫فبعد أن رأيناها على مدار قصائد‬
  ‫الشعري‪ ،‬فما بين ضمير المتكلم‬              ‫فلقيتهم وبشوكهم طازة‪،‬‬
  ‫الذى استخدمته الذات الشاعرة‬                        ‫ماعرفشى ازاي‬            ‫كثيرة تتغزل في المثلث الأول‪،‬‬
  ‫كثي ًرا‪ ،‬وتعلن فيه عن حضورها‬           ‫كانوا آخر وقت بيشرب نور‬             ‫تتحول لوصف ما تراه قذارة‬
‫بكل وضوح‪ ،‬وضمير الغائب الذي‬                                               ‫وانحطا ًطا في المثلث الثاني‪ ،‬فنرى‬
  ‫تلجأ له كثي ًرا في وصف الماضي‬        ‫من ضحكة هبة بياعة الشاي»‪.‬‬         ‫الشاعر يقول في قصيدة «البنت أم‬

                                                                                     ‫عنين خضرة إياها»‪:‬‬
                                                                                    ‫«الشارع نايم بيشخر‬
                                                                                  ‫وممدد رجليه في العتمة‬
                                                                         ‫سكران من ريحة الصرف ودخان‬

                                                                                           ‫الموتوسيكلات‬
                                                                               ‫وبيحلم بنهار متلصم وأمل‬

                                                                                                 ‫كداب»‪.‬‬
                                                                              ‫هنا‪ ،‬ثمة مفارقة بين البنت‪/‬‬
                                                                             ‫الجمال‪ /‬الطبيعة ذات العيون‬
                                                                              ‫الخضراء‪ ،‬هذا الخضار الذي‬
                                                                              ‫يحيل لعوالم الطبيعة والزرع‬
                                                                         ‫والريف والبساطة‪ ،‬بين هذه البنت‬
                                                                           ‫بكل هذه الحمولات وبين ريحة‬
                                                                           ‫الصرف ودخان الموتوسيكلات‪،‬‬
                                                                               ‫كمفردات تنتمي للمعاصرة‬
   234   235   236   237   238   239   240   241   242   243   244