Page 246 - ميريت الثقافية رقم (27)- مارس 2021
P. 246
العـدد 27 244
مارس ٢٠٢1
عملية التطور قد فرضت نفسها اللاتينية التي ظلت الكنيسة للكلمة كل مرة ،ونجد أي ًضا أن
بالفعل على العربية القرآنية، تفرض التعامل بها على شعوب معظم العرب قد اسقطوا المثنَّى
أوروبا المسيحية الخاضعة لها تما ًما من حساباتهم ،فأصبح أي
متخطية قيود القداسة ،فاعطتها شيء أكثر من الواحد هو جمع،
شكلها الحالي ،وإن لم تتح أب ًدا إلى أن اتسعت الفجوة بينها وهذا أكثر منطقية وتبسي ًطا من
الفرصة لعملية التطور هذه لأن وبين لغة العامة في تلك البلدان، تعيين قواعد خاصة بالمثنى بلا
تحدث بشكل تلقائي على مستوى
فتحولت إلى لغة كهنوتية شبه فائدة حقيقية من وراء ذلك،
الشعوب المتحدثة بها ،فظلت مندثرة ،وكذلك يتشابه وضع وقاموا أي ًضا بتنحية جمع المؤنث
مبتسرة ومنفصلة عنها. اللهجات العربية المختلفة مع
تلك اللهجات الأوروبية المنشقة فأصبح يتساوى مع جمع
-12المدهش أن كل ما ذكرناه على اللاتينية والتي تحولت إلى المذكر ،فأصبحنا نقول الستات
آنفا عن التطورات التي فرضت اللغات الأوروبية لاح ًقا ،ولولا أن «شاطرين» أو «شطار» وليس
أوروبا قد مرت بما مرت به من «شاطرات» ،ونقول «ادي الستات
نفسها عمليًّا على اللغة قد تم عصور نهضة وعقلانية وتنوير حقوقهم» وليس «اعط السيدات
بنجاح منقطع النظير ودون أن لظلت اللغة اللاتينية في وضع
تسقط السماء على الأرض ،فلا أشبه بالعربية ،ولظلت شعوب حقوقهن» ،وهذا أي ًضا تفكير
إسقاط المثنى أو جمع المؤنث؛ ولا أوروبا تهمهم بألسنة تمزج ما سليم في رأيي ،وقاموا كذلك
التجاوز عن الإعراب في العامية بين لاتينية ركيكة وعامية غير بتنحية معظم عمليات النحو
قد أدى لخلل في توصيل المعنى، فصيحة ،مثلما تهمهم الشعوب جانبًا وأخرجوها من المعادلة
العربية بمزيج من عامية ركيكة الكلامية التي لا تحتمل كل هذه
بل لقد أثبتت الحاجة إلى هذه الحسابات المعقدة ،فنجد الواو
التنازلات عدم ضرورة -أو حتى وعربية غير فصيحة! في «المصريون شاطرون» مث ًل
جدوى -كل تلك التعقيدات التي -11برغم صحة القول بأن اللغة تتحول تلقائيًّا إلى ياء فتنطق
ظلت وما زالت تكبل اللغة العربية العربية ظلت حبيسة القالب الذي «المصريين شاطرين» وبدون
أدنى التفات للمرفوع والمنصوب
الفصحى لقرون ،بل لعل تلك كانت عليه عندما نزل القرآن، والمجرور والمبتدأ والخبر إلخ.
الأغلال والإعاقات اللغوية كانت والذي لم يكن في حقيقة الأمر -10تتشابه العربية كثي ًرا (من
السبب -ولو جزئيًّا -في تخلفنا إلا اللهجة العامية لقبيلة قريش، حيث اعتبارها لغة دينية ومن
فإن اللغة العربية الفصحى التي حيث سجنها للمتحدثين بها
عن الركب. نستخدمها اليوم هي أي ًضا ليست داخل قمقم القداسة) مع اللغة
أخي ًرا أحب أن أذكر أني عاشق نفس تلك اللغة القرآنية ،هذا لأن
للغة العربية ومتذوق للشعر
والأدب والبلاغة العربية ،ولكن
هذا لا يمنعني ولا يجب أن
يمنع غيري ،من تنحية عواطفنا
ناحيتها جانبًا ووضعها تحت
المجهر لتحليل مواطن ضعفها
وسقمها .والحقيقة أن المرء لا
يحتاج لقدر كبير من الذكاء لكي
يدرك أن اللغة العربية في أزمة،
وأن تلك الأزمة مهملة منذ أمد
طويل ،وأنها أي ًضا تزداد في
التفاقم كل يوم لا نحاول فيه
إيجاد حل لمشكلة عدم قدرتنا على
التواصل الكامل المثقف!