Page 250 - ميريت الثقافية رقم (27)- مارس 2021
P. 250

‫العـدد ‪27‬‬                           ‫‪248‬‬

                                     ‫مارس ‪٢٠٢1‬‬

  ‫لحل ما استشكل على الحياة من‬           ‫اليوم في مدارج القديسين‪ .‬هذا‬         ‫الخيال العلمي إلى إنسان آخر‬
                       ‫المسائل‪.‬‬      ‫تأمل يجرنا طب ًعا صوب السؤالين‬          ‫من جنسه ولن يتحدث إلى آلة‬
                                     ‫التاليين‪ :‬لأجل ماذا سنموت نحن؟‬          ‫بالضرورة‪ .‬والحروب الكونية‬
‫وهذا هو جوهر أقدم فكرة وأحلى‬
    ‫تخييل جاء به الخيال العلمي‪:‬‬         ‫وماذا سنتخيل كبدائل للجحيم‬             ‫ستترك مكانها في تصوري‬
    ‫الذهاب بعي ًدا بحثًا عن المعنى‬        ‫الذي ورثناه دون استشارة‬         ‫للحروب ضد القوى المدمرة التي‬
     ‫الأقرب من الإنسان المسافر‪.‬‬
     ‫إنها أليغوريا التفكير نفسها‪:‬‬      ‫واضحة منا عن القرن العشرين‬             ‫تسكننا لا القوى القادمة من‬
     ‫الدخول إلى كهوف «الدماغ»‬                    ‫ذي اللعنات الكثيرة؟‬                   ‫الفضاء الخارجي‪.‬‬
   ‫الحميمية القريبة ج ًّدا بحثًا عن‬
                 ‫أغرب الأشياء‪.‬‬                  ‫‪-5‬‬                        ‫أعتقد أن كل هذا الكلام سيراجع‬
   ‫يطل علينا المختصون في علوم‬                                              ‫في المرحلة المقبلة بفضل ما نراه‬
      ‫الأعصاب بتفسيرات بديعة‬         ‫القرن الحادي والعشرون سيكون‬         ‫وما سنراه من تشكك للإنسان في‬
                                     ‫في تصوري الاستشرافي المتواضع‬        ‫مكتسبات المرحلة الحالية التي هي‬
 ‫لطرائق تفاعل العقل البشري مع‬                                               ‫مكتسبات الماضي القريب الذي‬
   ‫الحكايات والأقاصيص‪ ،‬وكيف‬                    ‫قرن الحكايات بامتياز‪.‬‬     ‫ربيناه وربينا نفسنا على أرضياته‬
     ‫أننا ننتج درجات من الوعي‬         ‫إن الإقبال على الروايات والأفلام‬     ‫المنزلقة‪ ،‬وتلبّسنا بالعادة السيئة‬
    ‫بالعالم والأشياء‪ ،‬بعضها يتم‬                                           ‫التي هي تقديس أخطائنا بد ًل من‬
  ‫على المستوى الحكائي‪ ،‬لينتج ما‬             ‫والمسلسلات في عالم اليوم‬
 ‫يمكن أن نسميه بالعقل التمثيلي‪،‬‬       ‫يستدعي التأمل الجدي في المسار‬                           ‫مراجعتها‪.‬‬
    ‫فيما بعضها يتم على مستوى‬                                                 ‫القاعدة في الأعمال والمال هي‬
                                          ‫الدائري الذي تحرك بإنسان‬
 ‫العروض النظرية والتجريدات في‬           ‫ما قبل التاريخ الذي كان قاب ًعا‬         ‫مضاعفة هامش الخطر في‬
   ‫دائرة ما يمكننا تسميته بالعقل‬                                              ‫المضاربة إن لم تنجح العملية‬
     ‫التدليلي‪ ..‬وأعمال الفيلسوفة‬           ‫في حلقة تدوزنها الحكايات‬      ‫لأول وهلة‪ .‬هم يقولون ما يقال في‬
 ‫مارتا نوسباوم تتوسع كثي ًرا في‬       ‫والأحاجي‪ ،‬ثم ابتعد شيئًا فشيئًا‬      ‫لعبة البوكر‪when in trouble :‬‬
 ‫بيان ذلك وتبيينه‪ ،‬لكي تصل بنا‬        ‫لكي يصل إلى أبعد نقطة عن تلك‬
   ‫إلى السؤال الملح الذي هو‪ :‬ماذا‬    ‫الحلقة‪ :‬الفضاء الافتراضي‪ ،‬حيث‬                             ‫‪.double‬‬
  ‫تفعل داخلنا تلك الأرواح الخفية‬       ‫يصير الإنسان هو نفسه الحلقة‬        ‫لقد رأى الإنسان في العام الفائت‬
  ‫التي نتساءل دائ ًما عن أمرها في‬                                          ‫(وفيما سبقه من أعوام الأزمات‬
   ‫الروايات والأفلام الجيدة وعن‬         ‫مختزلة في صوته الذي تعدده‬
 ‫جدواها وعملها؟ إنها طريقتنا في‬        ‫وتضخمه التكنولوجيا‪ ،‬شخص‬                 ‫الاقتصادية المتتالية) تبعات‬
  ‫تذوق العالم‪ ،‬ومنظومتنا الدقيقة‬     ‫واحد فرد لا يقبل شري ًكا‪ ،‬يختزل‬       ‫المضاربة على كل مناحي الحياة‪.‬‬
   ‫في رسم حدود أذواقنا ومعالم‬          ‫الوجود كله في تواجده الصغير‬
             ‫أحكامنا على العالم‪.‬‬     ‫الكبير المتضخم إلى درجة اختزال‬         ‫إنها مضاربة تضمن خسارات‬
                                                                              ‫تتحملها أجيال برمتها‪ .‬وهذا‬
‫علينا فقط أن نتصور المتفرج الذي‬                           ‫الكون كله‪.‬‬
  ‫هو نحن وهو يجلس إلى كرسيه‬              ‫إنسان جالس إلى حاسوبه أو‬           ‫الجزء من الخيال المستقبلي هو‬
      ‫(ويمكننا تشبيهه بالكرسي‬                                                    ‫الذي يسمى الديسطوبيا‪.‬‬
    ‫العجيب الشبيه بمعدات أفلام‬             ‫جهازه الموصول بشبكة لها‬
   ‫الخيال العلمي‪ ،‬والذي احتضن‬           ‫كل صفات الله‪ :‬ترى ولا ُترى‪،‬‬      ‫لقد ابتكر رجل الدين والفيلسوف‬
 ‫الوجود العجيب للعالم الذي ألقى‬       ‫ترزقك ما تشاء‪ ،‬أنت تسأل وهي‬         ‫الإنجليزي طوماس مور مصطلح‬
    ‫بظلاله على عالمنا الجديد هذا‪:‬‬      ‫تجيب دعاءك‪ ،‬وكذا دعاء الداعي‬
 ‫ستيفن هاوكينغ)‪ ..‬جلسة للتفرج‬            ‫إذا ما دعاها بكبسة زر‪ ،‬وهي‬          ‫«يوطوبيا» لوصف الفردوس‬
                                      ‫شبكة أقرب إلى الإنسان من حبل‬       ‫الذي كان يحلم به‪ .‬وابتكرنا نحن‬
‫على حكاية تشبه تما ًما جلسة رائد‬                                         ‫تكملة له هي نقيضه‪« :‬ديسطوبيا»‬
  ‫فضاء يستعد للسفر إلى أقاصي‬                                 ‫الوتين‪.‬‬
                ‫المكان أو الزمان‬          ‫هذا الإنسان هو نفسه الذي‬          ‫لوصف الجحيم الذي نمهد له‪.‬‬
                                        ‫يجد نفسه غار ًقا في «نتفلكس»‬          ‫المخرج الجميل لهذا الصراع‬
                                            ‫أو إحدى الشبكات‪ ،‬أو أحد‬
                                      ‫المواقع المختصة في خلق أعاجيب‬         ‫المصطلحي قد يكون من خلال‬
                                                                          ‫تذكر ظروف موت طوماس مور‬
                                                           ‫الحكايات‪.‬‬       ‫الذي مات على المقصلة بأمر من‬
                                        ‫لقد سافر المرء بعي ًدا لكي يعود‬    ‫هنري الثامن بسبب خروج الملك‬
                                       ‫إلى نقطة البداية‪ :‬السعي صوب‬       ‫عن الكنيسة الأصلية‪ ،‬وتفكيره في‬
                                                                          ‫بناء كنيسة لأغراضه الشخصية‪.‬‬
                                          ‫الحكاية والركون إلى الخيال‬     ‫وهو ما يجعل طوماس مور ُيسلك‬
   245   246   247   248   249   250   251   252   253   254   255