Page 252 - ميريت الثقافية رقم (27)- مارس 2021
P. 252

‫العـدد ‪27‬‬                           ‫‪250‬‬

                                     ‫مارس ‪٢٠٢1‬‬

  ‫لسا ُنك لا تذكر به عورة امري ٍء‬      ‫متاخمة لاستيعاب الزوار‪ ،‬وبها‬                 ‫(‪)1‬‬
     ‫فكلك عورات‪ ،‬وللناس أ ْل ُس ُن‬     ‫آلات موسيقية كالبيانو والعود‪،‬‬
       ‫وعينك إن أبدت لك معايبًا‬                                          ‫«لو جمعت الأحاديث التي‬
                                          ‫كما كانت تحتوي على مكتبة‬       ‫دارت في ندوة م ّي لتألَّف منها‬
 ‫فصنها وقل‪ :‬يا عين للناس أع ُي ُن‬         ‫زاخرة بكنوز الأدب العربي‪،‬‬      ‫مكتبة عصرية‪ ،‬تقابل مكتبة‬
   ‫وعاشر بمعرو ٍف‪ ،‬وسامح من‬           ‫إضافة إلى كتب منتقاه من الكتب‬      ‫العقد الفريد‪ ،‬ومكتبة الأغاني في‬
                        ‫اعتدى‪،‬‬        ‫الأجنبية التي كانت تجيد لغاتها‪.‬‬    ‫الثقافتين الأندلسية والعباسية»‪.‬‬
   ‫وفارق ولكن بالتي هي أح َس ُن‬      ‫وقد انتقلت الندوة إلى شقة أوسع‬      ‫(عباس محمود العقاد‪،3691 ،‬‬
    ‫وتلخص قصيدة الإمام قواعد‬         ‫عام ‪ ،1914‬وعلى الرغم من مشقة‬        ‫ص‪)802‬‬
  ‫الحوار بالمجلس ومبادئه‪ ،‬والتي‬       ‫الوصول إلى تلك الشقة‪ ،‬حيث لم‬
   ‫حرصت م ّي على اتباعها في كل‬         ‫يكن بالعمارة مصعد‪ ،‬فقد أصر‬              ‫رأت م ّي أن المجالس الأدبية‬
    ‫جلساته‪ .‬ولا شك أن مساهمة‬         ‫رواد صالونها على المشاركة فيها‪،‬‬      ‫العربية القديمة لا تقل أصالة عن‬
  ‫أستاذ الجيل أحمد لطفي السيد‬        ‫وتكبد تلك المشقة‪ .‬وفي عام ‪1927‬‬
  ‫في أولى جلسات الصالون خلال‬            ‫وحر ًصا على راحة الزوار‪ ،‬فقد‬         ‫صالونات فرنسا‪ ،‬مثل مجلس‬
     ‫عمره المديد‪ ،‬وهو القائل بأن‬         ‫انتقلت م ّي بصالونها إلى بيت‬        ‫سكينة بنت الحسين (‪671‬م‪-‬‬
    ‫«اختلاف الرأي لا يفسد للود‬         ‫أفضل قطنته خلف مبنى جريدة‬
    ‫قضية»‪ ،‬ومساهمته الفعالة في‬                                                 ‫‪736‬م) في العصر الأموي‪،‬‬
   ‫شتى جلسات الصالون الأدبية‬                              ‫«الأهرام»‪.‬‬         ‫ومجلس ولادة بنت المستكفي‬
       ‫والفلسفية‪ ،‬ساهم بارساء‬               ‫وكان بيت آل زيادة آية في‬
    ‫تلك القواعد بين رواد المجلس‬       ‫الكرم‪ ،‬فكان يرحب بجميع زوار‬              ‫(‪994‬م‪1091 -‬م) الشاعرة‬
                      ‫ومريديه‪.‬‬         ‫الصالون بالشاي والقهوة وماء‬           ‫الأندلسية في زمن العباسيين‪،‬‬
                                          ‫الزهر‪ ،‬كما كانت م ّي تحتفي‬      ‫بل ومجلس الأميرة نازلي فاضل‬
‫وجاء حديث الشيخ مصطفى عبد‬                    ‫بزوارها بعزف الموسيقى‬        ‫(‪ ،)1914 -1853‬التي توافد على‬
 ‫الرازق‪ ،‬شاه ًدا على رق ّي لغة م ّي‬      ‫الكلاسيكية على آلة البيانو‪ ،‬أو‬      ‫صالونها أكبر رجال السياسة‬
  ‫وذوقها المتميز‪« :‬كان حديث م ّي‬       ‫تتغنى باللغة العربية على ألحان‬       ‫والفكر والأدب‪ ،‬وكان من أبرز‬
‫في الغالب بالعربية الفصحى‪ ،‬ومع‬           ‫العود الذي كانت تجيد عزفه‪.‬‬      ‫زائريها أول رواد للنهضة العربية‬
‫تأنقها في شأنها كله‪ ،‬وفي حديثها‬        ‫ويظهر ولع م ّي بالطابع العربي‬        ‫والمصرية‪ ،‬فضم الشيخ محمد‬
‫على الخصوص‪ ،‬فإنها كانت تصل‬              ‫الشرقي الذي يغلب على كل ما‬            ‫عبده‪ ،‬والزعيم سعد زغلول‪،‬‬
  ‫إلى جعل اللغة العربية الفصحى‬       ‫عداه‪ .‬فكان أثاث المنزل واللوحات‬     ‫ومحرر المرأة قاسم أمين‪ ،‬وأستاذ‬
‫لغة حديث في مجم ٍع را ٍق ليس كل‬      ‫التي تزين جدرانه‪ ،‬جمي ًعا شرقية‬        ‫الجيل أحمد لطفي السيد‪ ،‬الذي‬
‫شاهديه من أنصاره»‪( .‬محمد عبد‬              ‫الطابع‪ .‬وقد أدارت الأحاديث‬        ‫أصبح نج ًما ساط ًعا في صالون‬
  ‫الغني حسن‪ ،1963 ،‬ص‪-400‬‬                ‫والمساجلات السائدة في الندوة‬
                                          ‫باللغة العربية الفصحى‪ ،‬كما‬                            ‫م ّي ذاته‪.‬‬
                          ‫‪)401‬‬          ‫كانت مولعة بالخطوط العربية‪،‬‬         ‫بدأت م ّي زيادة بتحقيق حلمها‬
     ‫اسندت م ّي رئاسة الصالون‬               ‫واختارت ميثا ًقا للصالون‪،‬‬
   ‫طوال سنواته الأولى إلى المفكر‬         ‫قصيدة كتبها الإمام الشافعي‬            ‫بإقامة صالون أدبي يجتمع‬
   ‫والشاعر الكبير إسماعيل باشا‬       ‫بخط فارسي جميل‪ ،‬وهبتها مكان‬            ‫في بيتها كل ثلاثاء‪ ،‬وذلك عقب‬
‫صبري‪ .‬ومن المفيد أن نستعرض‬           ‫الصدارة في قاعة الصالون‪ .‬فيقول‬       ‫خطبتها الشهيرة حين ألقت كلمة‬
 ‫أو ًل أهم أعمدة صالون م ّي‪ ،‬وهم‬
‫مجموعة منتقاة‪ ،‬يعد كل منهم على‬                             ‫الشافعي‪:‬‬           ‫جبران خليل جبران في حفل‬
 ‫حدا راف ًدا من أهم روافد النهضة‬     ‫إذا شئت أن تحيا سلي ًما من الأذى‬       ‫تكريم خليل مطران‪ .‬واستقبلت‬
  ‫الفكرية والأدبية التي ماجت بها‬                                         ‫م ّي رواد صالونها في ثلاثة منازل‬
                                        ‫وحظك موفو ٌر‪ ،‬وعرضك صيِّ ُن‬        ‫اقامت بها في القاهرة‪ ،‬كان أولها‬
                                                                          ‫في شارع مظلوم‪ ،‬رقم ‪ ،14‬بقاعة‬
                                                                            ‫استقبال واسعة متصلة بغرفة‬
   247   248   249   250   251   252   253   254   255   256   257