Page 248 - ميريت الثقافية رقم (27)- مارس 2021
P. 248

‫العـدد ‪27‬‬                         ‫‪246‬‬

                                     ‫مارس ‪٢٠٢1‬‬

  ‫الشبكة المعلوماتية العالمية صار‬       ‫القصص والروايات التاريخية‬      ‫ومعرفيًّا العدوان على المستعمرين‬
‫يشبه القرية فع ًل‪ ،‬لذلك لا يجانب‬            ‫(وأغلبها‪ ،‬من باب التدقيق‬         ‫المستضعفين‪ ،‬أكثر مما هو‬

    ‫الحقيقة قولنا إن أسئلة كاتب‬      ‫المفهومي‪ ،‬هي فانطازيات تاريخية‬        ‫مشغول بمسارات تبحث عن‬
  ‫الخيال العلمي في البلاد العربية‬         ‫للإمتاع والإدهاش‪ ،‬وليست‬                     ‫الحقيقة لتجليتها‪.‬‬

     ‫هي نفسها؛ أو على الأقل هي‬         ‫سرو ًدا تاريخية عميقة للتفكيك‬    ‫أعتقد أن السبب الحقيقي لتعطل‬
‫مناظرة لتلك المطروحة على الكاتب‬          ‫والتحليل) هي نصوص تنتج‬        ‫آلة الخيال العلمي لدى العرب هو‬

   ‫في الغرب أين يمكنه أن يأخذنا‬      ‫نفسية متأسية‪ ،‬بعيدة عن الواقع‬        ‫سبب سياسي بالدرجة الأولى‪،‬‬
 ‫في كل دروب الخيال والافتراض‬          ‫وفاقدة للصلة به‪ .‬نفسية تعيش‬      ‫الخيال العلمي أدب نظري‪ ،‬يحاول‬
 ‫دون أن يواجه بلافتات ضرورة‬           ‫عل نكوص وجودي مستمر لكي‬
                                       ‫نستعير ألفاظ التحليل النفسي‪.‬‬     ‫هندسة أشياء المستقبل‪ .‬هو أدب‬
                       ‫التوقف‪.‬‬        ‫يبقى أنه من الضروري الإشارة‬        ‫إنسان متمكن من الزمن وفاعل‬
   ‫هنالك نقطة تشغل أي بال على‬
                                         ‫إلى أن الأمور منذ عشرية أو‬        ‫في الحياة مصمم للأشياء من‬
     ‫هامش التأملات الفلسفية في‬         ‫عشريتين لم تعد على ما ألفناه‪،‬‬        ‫حوله‪ .‬أما الأنظمة السياسية‬
  ‫موضوع الخيال العلمي؛ التأمل‬                                               ‫التي ظلت مهيمنة على العرب‬
‫حول «لماذا؟» و»ما الهدف؟» بعي ًدا‬        ‫فمن الهام أن نجد على لوائح‬       ‫منذ الفترة الاستعمارية والتي‬
 ‫عن تأملاتنا الأدبية المعهودة التي‬     ‫البوكر مث ًل راويتين من الخيال‬     ‫يتواصل كثير منها على الإيقاع‬
                                       ‫العلمي تفوزان بالجائزة‪ :‬راوية‬   ‫نفسه فهي أنظمة تنظر إلى العربي‬
       ‫يشغلها السؤال‪« :‬كيف؟»‪.‬‬         ‫أحمد السعداوي ورواية إبراهيم‬       ‫كفرد مسلوب الإرادة‪ ،‬ولا تحبذ‬
   ‫تلك النقطة هي ضرورة دخول‬           ‫نصر الله‪ ..‬وهو مؤشر هام على‬      ‫فكرة التفكير النظري في إمكانيات‬
‫كاتب الخيال العلمي دوائر التمثيل‬      ‫تغيير في ذهنية القارئ التي هي‬
   ‫الذهني للعالم‪ ،‬فالعلم كثي ًرا ما‬    ‫ذهنية الناشر والكاتب بالدرجة‬            ‫أخرى للحياة‪ ،‬وهي فكرة‬
‫ينتج تمثيلات للعالم لا عهد للحياة‬                                          ‫تحاربها الأنظمة القائمة دينيًّا‬
    ‫ولا للبشر بها‪ .‬فكرة الشرائح‬                              ‫الأولى؟‬    ‫بخلفية ربط كل تخييل افتراضي‬
   ‫الإلكترونية مثلا ليست وسيلة‬
                                                ‫‪-3‬‬                          ‫يتلاعب بالحاضر من خلال‬
    ‫تخزين معلومات فحسب‪ ،‬بل‬                                              ‫أدوات المستقبل وممكناته بالكفر‬
    ‫هي أداة تواصل رمزية‪ ،‬تما ًما‬          ‫هنالك من يتساءل من زاوية‬      ‫والتجديف والزندقة العقلية‪ .‬لهذا‬
 ‫كالرموز اللغوية‪ ،‬بل إنها تتحول‬        ‫أخرى مختلفة تما ًما‪ :‬هل يمكننا‬    ‫يتطور عندنا الأدب الرومانسي‬
 ‫إلى لعبة كلامية في مرحلة لاحقة‬       ‫أن نقول إن الأدب العربي اليوم‪،‬‬    ‫كثي ًرا‪ ،‬فهو أدب الإنسان المغلوب‬
     ‫بفضل تبني الجماعة اللغوية‬        ‫وخيالنا العربي بالدرجة الأولى‪،‬‬
     ‫لها‪ ،‬ويكفينا أن نتحرى قلي ًل‬                                            ‫على أمره‪ ،‬مسلوب الإرادة‪.‬‬
    ‫حول مئات التعابير الآتية إلى‬           ‫يساير الفلسفات السائدة؟‬          ‫ويجد الأدب التاريخي قبو ًل‬
                                          ‫والواقع هو أن العالم بفضل‬      ‫رسميًّا مثي ًرا للريبة‪ ،‬والواقع أن‬
     ‫ممارساتنا اليومية من أفقي‬
‫الإعلام الآلي والتواصل بالهواتف‬
 ‫الذكية‪ ،‬فهذه الرموز قبل دخولها‬
 ‫الحياة الاجتماعية كانت معطيات‬

     ‫علمية مخبرية جافة‪ ،‬وبعيدة‬
 ‫تما ًما عن دائرة التداول الجماعي‬
‫المجتمعي‪ ،‬بلا أدنى كثافة حياتية‪،‬‬

      ‫لا تعبر عن أي شيء خارج‬
   ‫دائرة العلماء المختصين‪ ..‬يأتي‬
   ‫هنا دور الكاتب العربي بما أن‬
‫الحديث يعنيه‪ ،‬إذ عليه أن يخوض‬
  ‫في هذا النظام التمثيلي بلا هيبة‪،‬‬
   ‫لأن لهذا الخوض دو ًرا فلسفيًّا‬
 ‫معينًا‪ .‬والمقصود بالدور الفلسفي‬
  ‫هو ممارسة اللغة والتخييل من‬
   243   244   245   246   247   248   249   250   251   252   253