Page 258 - ميريت الثقافية رقم (27)- مارس 2021
P. 258
العـدد 27 256
مارس ٢٠٢1
أتقن اللغة الفرنسية ،فقد اضطلع مناهج التعليم بالمدارس المصرية. القومي الإسلامي .وقد شارك
على أهم منجزات الفكر الغربي، وسعى عباس محمود العقاد، المفكر الكبير الإمام محمد عبده،
أستاذه الفكر ّي ،في هذا الإيمان
وساهم في إحياء الفلسفة العربية كمفكر وباحث ،إلى ضرورة إحياء
مع طه حسين ،الذي تشهد أعماله التراث العربي الإسلامي في بالمك ّون الإسلامي للنهضة
المأمولة ،إلا أن الشيخ محمد عبده
الكاملة ،بإحياء التراث العربي الكثير من كتاباته ،وبما أنه آمن
الفكري والأدبي ،والذي لقب من بعد دراسة متأنية لدور الفرد قد تحفظ على إصرار الأفغاني
البطل في نشأة الأمم وتطورها، على ربط الحضارة الإسلامية
أجله بعميد الأدب العربي. بالهيمنة العثمانية ،التي رأى
أضحى صالون م ّي بتلك الباقة فقد قدم دراسات للرسول (ص) فيها الإمام مسا ًسا بعروبة مصر
والصحابة عن طريق العبقريات، من جهة ،وتبري ًرا غير مقبو ٍل
الفكرية ،التي ضمت شتى للهيمنة التركية على مقدرات
الاتجاهات الحزبية المعاصرة، كما قارن بين الإسلام وشتى مصر السياسية والاقتصادية ،بل
الأيديولوجيات المعاصرة مثل والثقافية أي ًضا من جهة أخرى.
وكان الكثير من رواده من الشيوعية والاشتراكية والفاشية كان أستاذ الجيل ،أحمد لطفي
المشتغلين بالسياسة والأدب، وغيرها .ولعل م ّي زيادة قد السيد ،مفع ًما بالتقدير لكل من
وأعمدة لأهم الاحزاب والصحف الشيخين جمال الدين الأفغاني
في مصر خلال عمر الصالون، ساهمت أي ًضا في التعريف ومحمد عبده .وقد تتلمذ على يد
أهم منبر يساهم في تشكيل الهوية بأحدث الاتجاهات السياسية كليهما ،وكان راف ًضا للهيمنة
والفكرية المعاصرة ،من شيوعية التركية من جهة ،ومعاد ًيا للسلطة
العربية الحديثة. واشتراكية وعدمية وما إلى ذلك الإنجليزية الاستعمارية ،التي
في كتابها «المساواة» ،فكان أول
اللغة دراسة أكاديمية عربية تفرد فرضتها إنجلترا بعد هزيمة
فصو ًل لتاريخ مختلف الاتجاهات الثورة العرابية في التل الكبير
ترتبط إشكالية الهوية بالطبع السياسية المعاصرة ،وجعلت ( )1882من جهة أخرى .وقد
بإشكالية اللغة ،وقد كان إمام منه موضو ًعا لعدة جلسات تبنى أحمد لطفي السيد ،أحد
الحداثة الشيخ رفاعة الطهطاوي، بالصالون ،كما قامت بمناقشة ركائز صالون م ّي الأدب ّي ،مقولة
الثورتين الفرنسية في القرن الزعيم الثائر أحمد عرابي ،بأن
وهو خريج الأزهر ،وأستاذ الثامن عشر ،والروسية التي لم
الفقه والنحو قبل أن يسافر إلى يكن قد انقضى عليها أكثر من مصر للمصريين.
فرنسا ،أول من دعا إلى خطورتها خمس سنوات .وقد ربطت سيدة كانت م ّي زيادة ،كما نعلم ،من
وأهميتها ،إن كان مقد ًرا لنا أن الصالون بين الإسلام ومفهوم
نلحق بالعلوم الغربية الحديثة الديمقراطية كما تمارسها الدول كبار مؤيدي ،بل ومن أكبر
الأوروبية الحديثة« :وهنا تقضي المروجين لفكرة الحضارة العربية
لبناء نهضة معاصرة شاملة الوقائع التاريخية بالاعتراف أن
الأركان ،وقد أفنى الشيخ الجليل اسم الديمقراطية جديد في هذه التي أفنت حياتها في الدعوة إلى
البلاد ،ولكن معناها غير جديد، تحديثها ،وجدارتها في احتلال
حياته العملية بعد عودته من لأن الإسلام كان أب ًدا ديمقراطي مكان ٍة متميزة بين دول العالم
فرنسا في الترجمة إلى العربية المباديء ،ديمقراطي الأساليب». المختلفة .ورأى طه حسين أن
بإنشاء مدرسة الألسن التي كان (م ّي زيادة ،1922 ،ص)84 -83 مصر تنتمي حضار ًّيا إلى ثقافة
لها مدي ًرا واستا ًذا ومترج ًما. أما مصطفى عبد الرازق ،تلميذ البحر المتوسط منذ أقدم العصور،
أدرك الطهطاوي اشكالية ترجمة محمد عبده ،ومترجم «رسالة
العلوم الحديثة من كيمياء وطبيعة التوحيد» لأستاذه الشيخ ،بعد أن ولذلك كان من كبار الدعاة
وفيسيولوجيا إلى لغة كانت في لإدخال اللغة اللاتينية ،بالإضافة
سبات عميق ،تتغنى بأشعار
الماضي وأساليب نثر عقيمة ،تهتم إلى الإنجليزية والفرنسية ،في
بالسجع والطباق والمحسنات