Page 263 - ميريت الثقافية رقم (27)- مارس 2021
P. 263

‫‪261‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫كتب‬

‫هذه الطريقة تمنح الشاعر فرصة‬                         ‫الختامية استدعت صو ًتا مغاي ًرا‬        ‫ويتسع الالتفات بهذا المفهوم‬
                                                    ‫هو صوت «و ّلدة بنت المستكفي»‬          ‫لـ»صور مخالفة مقتضى ظاهر‬
‫لوضع فاصل لغوي بينه وبين‬

‫ذاته‪ ،‬ليبتعد عن «أناه» بمسافة‬                       ‫وجملتها الشهيرة «وأعطي قبلتي‬          ‫المطابقة» في الضمير؛ وكأن‬

‫تمكنه من الكشف عنه بصورة‬                            ‫الشاعر أراد باستخدامه ضمير من يشتهيها» ليكون ذلك شك ًل‬

‫أفضل وأكثر حرية‪ :‬سأحكي؛‪/‬‬                            ‫من أشكال التقنع‪ ،‬ووسيلة أخرى‬          ‫الغائب أن يوهم بعدم التطابق‬

    ‫تركو ُه يح َيا‪ /،‬و ْه َو‬      ‫ع ْن فت ًى‬        ‫بينه وبين الأنا النصية‪ ،‬لكنه رغم سمحت للشاعر بإخفاء صوته‬
‫لم‬  ‫ولمَّا أ ْن أتا ُه المو ُت‪/،‬‬  ‫مذبو ُح‪/‬‬               ‫الخاص وترجيع صو ٍت آخر‬           ‫ذلك أوهم بالمشابهة التي أفضت‬
‫تأ ِت التصاري ُح‪ /‬مشى بالح ِّب‪/‬‬                         ‫يتوافق معه؛ فيغدو القناع هو‬                   ‫إلى التطابق بينهما‪.‬‬
‫أغن َي ًة‪ /،‬وصو ُت الح ِّب مبحو ُح‪.‬‬                 ‫الوجه ذاته‪ :‬إذا ما الكون هدهدني‬
‫(لا ما خان ْت الري ِح‪ ،‬ص‪)67 -66‬‬                                                               ‫فلم يبتعد الشاعر كثي ًرا عن‬
    ‫الأمر الذي أتاح له البوح بما‬                          ‫بشوق‪ /،‬سأمن ُح قبلتي من‬         ‫مفهوم الالتفات باعتباره انحرا ًفا‬
                                                            ‫يشتهيها‪( .‬فاتح ٌة‪ ،‬ص‪)5‬‬
‫يجول داخله مباشرة من ناحية‪،‬‬                                    ‫ولتعزيز ذلك الشعور‬              ‫للنسق اللغوي للخطاب‪ ،‬أو‬
                                                                                             ‫انتقا ًل في الإيراد الكلامي من‬
‫وخلق مسافة تفصله عن ذاته‬                                  ‫الاستيهامي‪ ،‬نجده يلجأ إلى‬          ‫صيغة إلى أخرى ‪-‬بتعبير عز‬
                                                    ‫توظيف فكرة النموذج‪ ،‬أو النسخة‬           ‫الدين إسماعيل‪ ،-‬الذي تحكمه‬
‫وتحولها إلى موضوع للتأمل من‬                                                               ‫الدلالة المقصودة لهذا الانحراف‬
                                                     ‫المطابقة‪ ،‬وهي الواقع الذي يدعي‬       ‫أو التحول كما خطط لها الشاعر‬
‫ناحية أخرى‪ .‬ونجد هناك قصائد‬                          ‫الشاعر أنه يشبهه‪ ،‬فتكون علاقة‬         ‫نفسه‪ ،‬فنجده يحرص في نصه‬
                                                                                          ‫الشعري على استخدام الضمائر‬
‫يتحد فيها الضميران؛ حيث يعين‬                            ‫الشاعر بالنموذج الذي يحيل‬          ‫وتب ّدل صيغها لضرورة دلالية‬
                                                        ‫الأفعال عليه هي علاقة تطابق‬         ‫في كل مرة معتم ًدا على المتلقي‬
    ‫جزء من النص فيها النموذج‬                           ‫بشكل عام‪ ،‬لكنها بالخصوص‬
                                                         ‫علاقة مشابهة‪ :‬مازل ُت الفتى‬            ‫لاستنباط المعنى المقصود‪.‬‬
‫بضمير الغائب‪ ،‬بينما يستخدم‬                           ‫الرقراق نب ًعا‪ /‬ونبعي فار ٌس ح ٌر‬         ‫ينسحب ذلك كلُّ ُه على رغبة‬
                                                     ‫يجو ُل‪( .‬صعو ٌد إلى بؤر ِة الضو ِء‪،‬‬     ‫الشاعر في تشكيل ذاته وعدم‬
    ‫الشاعر ضمير المتكلم في بقية‬                                                              ‫الإعلان عنها صراحة‪ ،‬ليوهم‬
                                                                           ‫ص‪)54‬‬
‫النص‪ ،‬ولوجود هذه النصوص‬

‫المزودجة أهمية خاصة للكشف‬
     ‫عن التطابق‪ :‬ك ُس َّكر ٍة أذو ُب‬
‫أس ًى‪ /،‬وتسر ُق به َجتي الأر ُض‪/‬‬                                                          ‫بعدم مرجعية الأحداث إليه‬

 ‫كمسكي ٍن يرى الأشيا َء؛‪/‬‬                                                                 ‫وعائدية الأفعال عليه‪ ،‬ويترك‬
‫لباشطوو ِق ٌل ُزونلباق ٍة‪،‬عر‪ /‬لُيضأ‪/‬سأ َر ِنسيي ُر‬
‫الفتى الغ ُّض‪ /‬علا َم الكو ُن‬                                                             ‫الأمر للقارئ في إيجاد الصلة‬

   ‫يتر ُكنِي‪ /،‬بجس ٍم خا َن ُه‬                                                            ‫وحالة التشابه بينه داخل النص‬
  ‫النب ُض؟! (ك ُسكر ٍة أذو ُب‬
                                                                                          ‫وبين المرجعيات الخارجة عن‬
           ‫أس ًى‪ ،‬ص‪)42‬‬
‫تلك المراوحة بين ضميري‬                                                                    ‫النص‪ ،‬رغبة منه في الابتعاد عن‬

                                                                                          ‫سمة الذاتية التي يوفرها ضمير‬

‫المتكلم والغياب هي محاولة‬                                                                 ‫المتكلم‪ ،‬والاقتراب‬

    ‫للانفصال عن الذات‬                                                                     ‫من الموضوعية التي‬

    ‫وطمس معالم تجربتها‬                                                                    ‫يسمح بها ضمير‬

‫الذاتية‪ ،‬والتواري خلف‬                                                                     ‫الغائب أو أسلوب‬

‫الحيل الإبداعية التي عملت‬                                                                 ‫التقنع‪.‬‬

‫على هيمنة التخييل في بعض‬                                                                  ‫فرغم أن النص‬

‫نصوص الديوان‪ ،‬من خلال‬                                                                     ‫الافتتاحي جاء بصيغة‬

‫الانتقال إلى سرد التجربة‬                            ‫جعفر حمدي‬                             ‫المتكلم‪ ،‬فإن الجملة‬
   258   259   260   261   262   263   264   265   266   267   268