Page 264 - ميريت الثقافية رقم (27)- مارس 2021
P. 264

‫العـدد ‪27‬‬                                                                                 ‫‪262‬‬

                                   ‫مارس ‪٢٠٢1‬‬

  ‫ضمير المتكلم الذي جاء بوصفه‬      ‫أفرا ُح‪ ،‬ص‪)72‬‬                                                         ‫بضمير الغياب‪ ،‬وبذلك دخلت ذات‬
‫وسيلة للاستقواء ولجلب الصفات‬
 ‫القياسية لمصلحة المتكلم أو للذات‬  ‫وفي قصيدة «ضاعت ملامحنا‬                                               ‫الشاعر إلى حدود التخييل عن‬

     ‫الشاعرة من ناحية‪ ،‬ومعاد ًل‬    ‫سدى» يتم الانتقال من أنا‬                                              ‫طريق خلق مسافة واضحة بين‬
‫لتعرية النفس والكشف عن النوايا‬
‫أمام القارئ‪ ،‬مما يجعله أشد تعلقا‬   ‫المجموع ‪-‬التي اتضحت في الجهاز‬                                         ‫الأنا الشاعرة والأنا النصية‪.‬‬

  ‫بها ‪-‬بتعبر عبد المالك مرتاض‪-‬‬     ‫العنواني‪ -‬إلى أنا‪ /‬هو المفرد؛ إذ‬                                      ‫وربما كان الهدف هو محاولة‬
               ‫من ناحية أخرى‪.‬‬
                                   ‫تتماهى الأنا كصورة من صور‬                                             ‫الشاعر للابتعاد عن الذاتية‬
      ‫فضمير الغياب هو الضمير‬
 ‫اللاشخصي الذي تتحدد وظيفته‬        ‫المجموع مع ضمير الغائب‪ ،‬فتبدو‬                                         ‫بالمعنى الغنائي المعتاد ‪-‬رغم‬

     ‫وفق دلالة الخطاب الشعري‬       ‫فاعلية الضمير السردي واضحة‬                                            ‫غنائيته الواضحة‪ ،-‬الذي‬
   ‫ووفق مقصدية الشاعر نفسه‪،‬‬
    ‫فهو من ناحية يحميه من فعل‬      ‫في تشابكها وارتباطها بصور‬                                             ‫استعاض عنه الشاعر بأناه‬
    ‫الكشف الذاتي الصريح‪ ،‬ومن‬       ‫عماث ِلج ٌزا‪،‬لغ‪/‬يا َبض‪:‬ا َاعل َْفت ْرمُحلا َي ِام ُأح ُمهي‪/‬‬
                                                                                                ‫أخرى‬     ‫الشعرية التي تعرض خبراتها‬
     ‫ناحية أخرى يكفل له وظيفة‬                                                                   ‫َصب ٌّي‬
    ‫الشاعر كلي العلم الذي يتمكن‬    ‫ُسد ًى‪ /،‬وال ُح ْز ُن َشي ُخ‪( ..‬ضاع ْت‬                                ‫وتجاربها وصراعاتها في متخيل‬
     ‫من إشراك المتلقي في تجربته‬
   ‫ويعلن تضامنه معه‪ .‬أما ضمير‬                                                                            ‫شعري يسمح للدرامية بأن تعلن‬
  ‫المتكلم في صيغة الجمع فلم يكن‬
    ‫سوى المعادل الموضوعي لأنا‬      ‫ملام ُحنا سد ًى‪ ،‬ص‪)61‬‬                                                 ‫عن نفسها‪ ،‬خاصة أن الصراع‬
 ‫المفرد الذي يحيل للذات الشاعرة‬
‫باعتبارها جز ًءا من الحضور الكلي‬   ‫فالذات لا تتجلى ملامحها إلا‬                                           ‫أصبح ضرورة فنية أساسية في‬

                      ‫للمجموع‪.‬‬     ‫بارتباطها بتجليات الآخر المختلفة‪،‬‬                                     ‫النص الشعري‪ ،‬ارتبطت ضرورته‬
  ‫يبقى أن نشير أن تورط الشاعر‬
 ‫في الكتابة العمودية لم يبعده عن‬   ‫ومثلما كان الانفصال عن الذات‬                                          ‫بطبيعة بنية القصيدة المعاصرة‬
‫الإفادة من تطويع طرائق التجريب‬
                                   ‫من طرق تشكيلها في الأساس‪،‬‬                                             ‫«الواقعية» القائمة على الجدل‪.‬‬
     ‫الفني في نصه الشعري؛ فلا‬
  ‫يمكننا إنكار استجابة نصوصه‬       ‫عمد الشاعر إلى طريقة آخرى‬                                             ‫ففي محاولة لعرض الشاعر لأناه‬
  ‫إلى بعض المنجزات الحداثية على‬
‫مستوى راهن موضوعات الكتابة‬         ‫لتشكيلها كذلك عبر مجابهتها‬                                            ‫الشعرية واشتباكها مع الواقع‪،‬‬

     ‫مثل قضايا الاغتراب والموت‬     ‫بحضور الأنثى‪ ،‬التي جاء‬                                                ‫نجده يعمد في ديوانه إلى توظيف‬
‫‪-‬بمعنى العدم‪ -‬وصراع الإنسان‬
                                        ‫حضو ُرها مبر ًرا في الديوان‪،‬‬                                     ‫المواقف الصراعية التي انتقلت في‬
  ‫مع قضايا مجتمعه‪ ،‬وكذلك على‬       ‫سواء بمعناها الحقيقي أو بمعناها‬
   ‫المستوى التشكيل مثل الاعتماد‬                                                                          ‫الديوان من العام إلى الخاص‪ ،‬جاء‬
   ‫على أساليب الترميز والدرامية‬
 ‫والمشهدية والتقنع‪ ،‬مع التوظيف‬     ‫المجازي‪ ،‬فالنساء كما يقول‬                                             ‫هذا الصراع بينه وبين مجتمعه‬
    ‫الجزئي لبعض التقنيات الفنية‬
                                   ‫ابن عربي هن «محل الانفعال»؛‬                                           ‫وخاصة أوضاعه السياسية‪ ،‬ثم‬

                                   ‫لتشكل بعض قصائد الديوان‬                                               ‫انفتح الصراع على فضاءات أكثر‬

                                   ‫من هذا المنطلق لحظة الارتماء‬                                          ‫إنسانية ليبرز صراعه مع الذات‬

                                   ‫في فيض الأنثى ورؤية الذات من‬                                          ‫وصراعه مع الموت‪.‬‬
                                   ‫خلالها‪ :‬أنا اب ُن ال َشد ِو يا أمي‪/،‬‬
                                   ‫ويق ُتلُني الم َدى الف ُّظ‪ /‬ت َحا َم َل‬                               ‫وفي مواضع الصراع يتجلى انتقال‬

                                       ‫ض َّد ما أر ُجو؛‪ /‬رغي ُد ال َع ْي ِش‪،‬‬                             ‫السرد بضمير المتكلم من صيغة‬
                                    ‫والح ُّظ‪ /‬تعاق ُبنِي بلا ُد اللهِ‪ /‬حتى‬
                                   ‫اغتا َلنِي ال َقي ُظ‪ /‬أنا واللهِ ِمسكي ٌن‪/،‬‬                           ‫المفرد (الأنا) إلى صيغة الجمع‬

                                                                                                         ‫(النحن)‪ ،‬حيث يتضح إدراك‬

                                   ‫وبالأشوا ِك ُمك َت ُّظ‪( ..‬كسكر ًة أذو ُب‬                              ‫الشاعر للعالم أيديولوجيًّا‪ ،‬ويتخذ‬
                                                                                                         ‫الصراع أبعا ًدا أكثر شمولية‬
                                                ‫أس ًى‪ ،‬ص‪)42‬‬                                              ‫وأكثر اتسا ًعا‪ ،‬لي ْك ُفل له ضمير‬
                                   ‫ورغم هذا الاستخدام المتنوع‬                                            ‫المتكلمين مسافة آمنة بين معتقده‬

                                   ‫للضمائر وما ينتج عنها من‬                                              ‫الذاتي التنبؤي والواقع الجمعي‪:‬‬
                                                                                                                             ‫س ِرنا‪ /‬وسار ْت‬
                                   ‫إزاحات دلالية في حضور‬                                                   ‫ُخط ٰى الأيا ِم‪/‬‬  ‫تر ُقب َنا‪ /‬والرم ُل‬
                                                                                                         ‫يشد ُو‪ /،‬وصم ُت‬
                                   ‫لمقصدية الشاعر‪ ،‬فإن تلك‬                                               ‫البح ِر ص َّدا ُح‪( .‬بشرى الري ِح‬

                                   ‫الإزاحات اتكأت في الأساس على‬
   259   260   261   262   263   264   265   266   267   268   269